مقال بعنوان: المستشار المقرر في قانون المسطرة المدنية بين محاكم الاستئناف ومحكمة النقض
مــقـــدمـــة:
مؤسسة القاضي المقرر او المستشار المقرر يعرفها القانون المغربي بمقتضى قانون المسطرة المدنية القديم و قد تم الاحتفاظ بهذه المؤسسة في ظل قانون للمسطرة المدنية المعدل بتاريخ ( 27 شتنبر 1974 ) و لازال اعمل جاريا بها الى الان سواء امام قضاء محكمة النقض او امام محاكم الاستئناف خاصة في القضايا التي يبت فيها القضاء قضايا حوادث السير الخطيرة، و بعض القضايا في مدونة الاسرة ، فضلا عن وجود تطبيقها امام المحاكم التجارية و الادارية و التي تعتبر فيها المسطرة كتابية.
فمن خلال دراسة تحليلية للفصول ( 329 الى 336 ) من قانون المسطرة المدنية سوف يتم تحليل و تدقيق العناصر التالية:
مفهوم المستشار المقرر ، تعيين المستشار المقرر ، اختصاصات المستشار المقرر، خصوصا فيما يتعلق بإجراءات التبليغ و التحقيق.
اعتمادنا في معالجة الموضوع على التصميم التالي:
المبحث الأول : المستشار المقرر
مطلب الأول: مفهوم المستشار المقرر
مطلب الثاني : تعيين المستشار المقرر
المبحث الثاني : اختصاصات المستشار المقرر امام محاكم الاستئناف و محكمة النقض
مطلب اول : التبليغ
مطلب ثاني : اجراءات التحقيق
المبحث الأول : المستشار المقرر
عرف القانون المغربي المستشار المقرر بمقتضى الفصول من 329 الى 336 من قانون المسطرة المدنية سواء امام محكمة النقض و محاكم الاستئناف ، خاصة في القضايا التي يبت فيها القضاء الجماعيالمطلب الاول : مفهوم المستشار المقرر
يعتبر المستشار المقرر عضوا من بين الاعضاء هيئة الحكم الجماعية ، و لذلك لا يمكن تصور تعيينه ، الا حين نكون بصدد هيئة قضائية جماعية، فهو ليس بقاضي حكم فرد ، و يتمثل دوره اساسا داخل هيئة الحكم الجماعية في اتخاذ كافة اجراءات التحقيق في القضية التي عين من اجلها .و يأخذ المستشار المقرر تسميته من التقرير الذي يضعه عند انتهاء التحقيق هذا التقرير يتضمن عوارض المسطرة و استفاء الشكليات القانونية و تحليل الوقائع فيها و وسائل دفاع الاطراف مع ذكر مستنتجاتهم و بيان النقاط التي يجب الفصل فيها دون ان يبدي رأيه فيها [1]
المطلب الثاني : تعيين المستشار المقرر
نص الفصل 329 في قرته الاولى من ق.م.م على ان الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف يعيين بعد احالة الملف عليه من طرف كتابة الضبط التابعة له ، المستشار المقرر، و يسلم له الملف داخل اجل 24 ساعة إلا ان هذا الاجل لا يحترم عادة ، و لم يركز عليه المشرع جزاء ، و انما هو اجل استنهاضي يقصد منه الحث على الاسراع في الاجراءات [2] هذا بالنسبة للمحاكم الاستئناف العادية بأنواعها ، ام بالنسبة المحاكم الاستئناف التجارية و الادارية فان مسطرة تعيين المستشار المقرر تتم وفق مسطرة التعين بالمحاكم العادية ، مادام ان المشرع قد احالة المسطرة المتبعة الى محاكم الاستئناف التجارية و الادارية على احكام ق.م.م و ذلك بمقتضى الفصل 19 من القانون المنظم لمحاكم الاستئناف التجارية و الفصل 15 من القانون الذي تم بموجبه احداث محاكم الاستئناف الادارية [3] بالنسبة للمجلس الاعلى فان المستشار المقرر يتكلف بتعينه رئيس الغرفة المختصة وذلك وفق احكام الفصل 362 من ق.م.م الذي ينص على " يقوم الرئيس الاول بمجرد تقديم طلب النقض بتسليم الملف الى رئيس الغرفة المختصة الذي يعيين مستشارا مقررا يكلف بإجراء المسطرة ...".المبحث الثاني : دور المستشار المقرر امام محاكم الاستئناف و محكمة النقض.
من خلال الشكليات و الاجراءات المسطرية التي يقوم بها المستشار المقرر بسبب تسيير المسطرة و البحث عن الادلة ، نجد المشرع عمل على سن مجموعة من النصوص القانونية المسطرية تحدد الوسائل و الابراءات الواجب اتباعها و التي تبتدئ بتعيين المستشار المقرر و تسليمه ملف القضية و اصداره امرا تبليغ الاستدعاء و المقال لطرف المدعى عليه و تنتهي بإصدار أمر بالتخلي عنه ملف القضية لهيئة الحكم [4].المطلب الاول : التبليغ
للتبليغ اوجه و مصادر متعددة حسب نوع القضايا المطروح إلا ان الاساس هوما نصت عليه المسطرة المدنية في الفصول 36 الى 39 في القسم الثالث " المسطرة امام المحاكم الابتدائية " و ايضا الفصل 329 فيما يخص تبليغ و تسليمك نسخ المقالات المقدمة من طرف المستأنفين و ايضا الفصل 380 الرامي الى تطبيق القواعد الخاصة بمحاكم الاستئناف مسطريا على محكمة النقض، و جملة القول ان الفصول من 36 الى 39 هي التي تنظم قواعد التبليغ ، على اعتبار ان الفصول الاخرى تحيل عليها لتطبيق نفس المقتضيات كما هو الحال بالنسبة للفصل 329 من م.م.و حماية الحقوق الاطراف في الدفاع يجب ان يحترم التبليغ الاجراءات الرامية الى اطلاعهم على مضمون الطلب ، و التحري الدقة في هوية المعنيين بالأمر و مكان و زمان الجلسة ، بحيث لا يمكن محاجة شخص دون علمه بالواقعة موضوع ألاستدعاء ، و منحه سقفا زمنيا ليتدبر امر تهيئ دفاعه و جمع حججه و تهيئ دفوعاته ، و إلا اعتبر الحكم الصادر في غياب احد الاطراف باطلا [5]. هذا ما اكدت عليه محكمة النقض في مجموعة من القرارات نذكر منها ، القرار رقم 816 في الملف العقاري عدد 6033/87 جاء فيه " عدم استدعاء الطاعن او من يمثله للجلسة التي ادرجت فيها القضية للمداولة يجعل القرار الصادر باطلا لخرقه لقواعد المسطرة المضرة بالطاعن و لمساسه بحقوق الدفاع ".
و ايضا قرار رقم 264 في الملف عدد 476/6/1/98 بتاريخ 31 يناير 2001 و كذلك قرار رقم 13 بتاريخ 24 اكتوبر 1967 الذي جاء فيه " استدعاء الخصم شرط اساسي لإصدار الحكم عليه لكي يسمع ما عنده ، و يعذر اليه و إلا كان الحكم باطلا " [6] من هنا يمكن القول ان يكون معرضا للنقض قرار محكمة الاستئناف الذي وصفه بالحضورية وذلك في غياب تبليغ الامر الى المستأنف عليه ، و وجوبا اعلامه بتقديم مستنتجاته في اجل معين.
يعتبر في حكم القرار الحضوري ، تنبيه المستشار المقرر المستأنف عليه لتقديم مستنتجاته داخل اجل معين ، و لم يقدمها و هذا المقتضى يطبق في حالة تعدد المستأنف عليهم او الانفراد . قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 19/6/96 تحت عدد 4080 في الملف المدني عدد 3086 /95.
لا يمكن الاحتجاج بخرق الاجراء المسطري المتمثل في عدم الاستدعاء للجلسة مادام نائب المتمسك به لم يعيين محلا للمخابرة معه لدى محامي بهيئة المحامين بمحكمة الاستئناف المصدرة للقرار المطعون فيه طبقا للفصل 330 من ق.م.م و أن ما يجب اتباعه في هذه الحالة تطبقا للفصل المذكور هو اشعار الاطراف بكتابة لضبط الشيء الذي لم يقع الادعاء في اسباب النقض لعدم وقوعه. قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 1 فبراير 1995 عدد 340 في الملف المدني عدد 1945/90[7]
و يقصد بالتبليغ الوسيلة التي رسمها القانون لتمكين الطرف المعلن اليه ليكون على علم بإجراء معين ، و يتم بتسليم استدعاء لهذا الاجراء على يد عون قضائي للأطراف الخصومة او من ينوب عنهم قانونيا.
تجدر الاشارة الى ان التبليغ يعتبر عماد المسطرة و اجراء اساسي لا يمكن الحكم ان يدخل حيز غير التنفيذ بدونه ، ذلك ان سلامة الاجراءات التبليغ تؤدي الى سلامة العديد من الاجراءات الجوهرية و فعالية الكثير من المبادئ لضمان حقوق الدفاع و تقريب القضاء من المتقاضي و تحقيق عدالة سريعة كما ان الاختيارات العامة لتنظيم القضائي يمكن ان تشمل بصفة كلية او جزئية ، في حالة عدم فعالية نظام التبليغ [8].
الاستدعاء الصحيح يجب ان يتضمن جملة من البيانات لمعرفة موضوع الاستدعاء و المدعي و كل ما يفيد الاطلاع المبلغ عليه موضوع الاستدعاء و يتضمن هذا الاخير عدة بيانات منها الجوهرية و الاضافية و هي كلها تحدد بدقة الدعوة و موضوعها و اطرفاها و مكانها ، و المشرع حدد في الفصل 36 من قانون م.م هذه البيانات ، كما نظم المشرع مقتضيات التبليغ الاستدعاء في الفصول 37،38،39 من قانون م.م كقواعد عامة للتبليغ و حدد المشرع هذا الأخير في الفصل 37 تبليغ الاستدعاء في أربعة طرق وهي:
- التبليغ عن طريق كتابة الضبط: و من المعلوم بكل كتابة الضبط قسم خاص بالتبليغ ، يعمل بتنسيق مع مفوضين القضائين بالنسبة للتبليغات التي يكلفون بها ، و كذا التبليغات التي يقوم بها اعوان التبليغ التابعين للمحكمة انفسهم ، و قد كان هذا الامر هو السائد قبل احداث مؤسسة المفوض القضائي.
- التبليغ عن المفوضين القضائيين : ينظم هذه المهنة القانون رقم 81.03 ويحدد الفصل 15 من هذا القانون اختصاصات المفوض القضائي من بينها عمليات التبليغ وتسليم إستدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في ق.م.م .
- التبليغ عن طريق البريد : يتم برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل كما نص على ذلك الفصل 37 من ق.م.م ثم الفصل 38 من نفس القانون.
- التبليغ عن طريق الدبلوماسية : كثيرا ما تطرح قضايا أمام المحاكم تستند على التبليغ إلى خارج المحكمة مما جعل المشرع ينظم هذا النوع من التبليغ في الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من ق.م.م لذلك فالتبليغ يتم عبر المصالح الدبلوماسية والقنصلية المغربية المتواجدة ببلد المرسل إليه ، وبالرجوع إلى الفصل 41 من ق.م.م فهو ينظم هذه العملية.[9]
المطلب الثاني : إجراءات التحقيق.
يقوم المستشار المقرر بعد إحالة القضية عليه من الجلسة جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية لإلقاء الضوء علي القضية وجعلها جاهزة للبث فيها ، كالاستماع إلى الشهود في مكتبه بحضور أطراف النزاع أو تعيين خبير أو الانتقال الى عين المكان ،[10]، كما يمكنه ‘اذا تعلق الأمر بإدعاء الزور الفرعي كأن ينظر أحد الأطراف توقيعه غلى الوثيقة التي أدلى بها الطرف الآخر وتمسك بها من أن أدلى بها ، أن يقوم المستشار المقرر شخصيا بتحقيق التوقيع ومقارنة التوقيع الموضوع على الوثيقة المدلى بها مع توقيع من أدلى بها الذي يقوم به أمام المستشار المقرر ، كما يقارنه ببعض الوثائق الذي سبق لمن أدلى بالوثيقة المدعى فيها الزور أن وقعها ، كما يمكنه أن يعين خبيرا في الخطوط لهذه الغاية أو الانتقال لعين المكان (ف 36 ق م م ) إلا ان هذه الاجراءات كلها لا تمس بما يمكن للمحكمة ؟أن تأمر به بعد ذلك في جلسة علنية او في غرفة المشورة (الفصل 334 من ق.م.م ) بحيث يكون من حقها ان تستمع إلى الشهود او تعين خبيرا آخر او تقرر الوقوف على عين المكان فتنتقل الهيئة بكاملها [11].و في هذا الصدد نورد قرار صادر عن محكمة الاستئناف الادارية بالرباط عدد 351 بتاريخ 30/5/2007 حيث جاء فيه " لقد نص الفصل 334 من ق م م على ان المستشار المقرر يتخذ الاجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم ، و انه بناء على طلب الاطراف او حتى تلقائيا الامر بأي اجراء من الاجراءات التحقيق من بحث و غيره فان ذلك لا يعني ان مجرد طلب اجراء بحث يقتضي الاستجابة له من طرف المستشار المقرر او المحكمة ، اللهم إلا اذا كان ذلك الطلب يتعلق بنقطة واقعية تقتضي فصلا توضحها اثناء البحث[12]
وفي هذا الصدد نورد قرار صادر عن محكمة النقض رقم 231 بتاريخ 12/5/1979 لم تكن المحكمة ملزمة وقد امرت بإحالة الملف على المستشار المقرر ليقوم بنفسه لتحقيق الخطوط حسب مقتضيات الفصلين 89 و 336 من ق م م بواسطة المستندات و ان تتنقل الى تحقيق الخطوط بواسطة الشهود او الخبراء تكون المحكمة على صواب ما لم يقدم لها الطاعن ما يفيد في الوصول الى الحقيقة حيث اعتبرت ان طلب تحقيق التوقيع كان مجرد مراوغة "[13].
- و قرار صادر عن محكمة النقض رقم 236 بتاريخ 16 /5/1979 .
- بعد ان ينتهي المستشار المقرر من الاجراءات التي يراها ضرورية لجعل القضية جاهزة او اذا لم يجب من كان مكلف بالجواب او بالتعقيب ، رغم توصله و انقضى الاجل الذي ضربه له ، اصدر امر بالتخلي و عيين الجلسة العلنية التي تدرج فيها القضية و اذا وردت مذكرات بعد صدور الامر بالتخلي سحبت هذا الملف و وضعت رهن اشارة واضعها في كتابة الضبط ( الفصل 335 من ق م م ).
إلا انه يمكن للمحكمة الاستئناف و هدفها الوصول الى الحقيقة و اصدار قرار عادل و اذا كانت وثائق حاسمة في الدعوة ادلى بها بعد اصدار امر بالتخلي ان تتراجع عن الامر بالتخلي بقرار معلل و تعيد القضية الى المستشار المقرر الذي يقوم بجميع الاجراءات التي تدعو اليها الضرورة كإجراء خبرة او الوقوف على عين المكان ، او تحقيق الخطوط و الزور الفرعي ( 336 من ق م م ) إلا ان المستشار المقرر يكتفي بوضع تقرير بذلك موضحا فيه الوقائع و ملخص مذكرات الاطراف و النتائج ، دون ان يبدي رأيه في موضوع و يضاف المحضر الى الملف الذي يعرض على الهيئات لتتخذ فيه ما تراه.
و في هذا الصدد نورد قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد 40/60 بتاريخ 26/10/2000 الذي قضى بان تبليغ الامر بالتخلي اجراء جوهري لا يمكن الاستغناء عليه . و ان عدم تبليغه يعرض القرار للنقض [14].
و قرار صادر عن الغرفة المدنية بمحكمة النقض رقم 765 بتاريخ 1/12/82 حيث جاء فيه " ان العدول عن قرار بالتخلي امكانية مخولة لمحكمة الموضوع متى تبين لها ان هناك واقعة جديدة من شأنها ان تؤثر على القرار و انها خارجة عن ارادة الاطراف و تصدر اثارتها قبل الاحالة "[15].
_________________________________________________
هوامش:
- محمد الحضري، المختصر في المسطرة المدنية طبعة 2010-2011 ، ص 34 [1]
- عبد العزيز توفيق ، موسوعة قانون م م و التنظيم القضائي ، طبعة 2012 ، الجزء 3 المكتبة القانونية ، العدد 4 ، ص 771 [2]
- محمد الحضري ، مرجع سابق ، ص 35 [3]
- محمد الحضري ، مرجع سابق ، ص 36 [4]
- محمد الازهر ، الدعوة المدنية ، الطبعة الاولى 2010 ، ص 59-60[5]
- قرارات المجلس الاعلى رقم 816 في الملق رقم 6033/87 ، قرار رقم 264 ملف عدد 476/6/1/98 ثم قرار رقم 13 بتاريخ [6]
24 اكتوبر 1967
- محمد بلفقير ، قانون المسطرة المدنية و العمل القضائي المغربي الطبعة الثانية 2009 ، ص 345[7]
- محمد الحضري ، مرجع سابق ، ص 18[8]
- محمد بلفقير ، مرجع سابق [9]
- عبد العزيز توفيق ، مرجع سابق ، ص 110[10]
- عبد العزيز توفيق ، مرجع سابق [11]
- قرار محكمة الاسثئناف الادارية بالرباط رقم 351 بتاريخ 30/5/2007 ، منشور في كتاب محمد بلفقير ، قانون المسطرة المدنية و العمل القضائي [12]
المغربي ، الطبعة الثنية 2009 ، ص 349
- قر ار الغرف المدنية بالمجلس الاعلى رقم 236 بتاريخ 16/5/1979 ورد في كتابة موسوعة قانون م م و التنظيم القضائي، لعبد العزيز توفيق ، ص 776[13]
- عبد العزيز توفيق ، مرجع سابق ، ص 11[14]
- قرار صادر عن الغرفة المدنية لمجلس الاعلى رقم 765 بتاريخ 1/12/1982، ورد في قانون ق م م و اجتهادات قضائية لعبد الفتاح بنوار ، ص 279[15]