مقال بعنوان: ماهية ومفهوم الإدارة
مـقـدمـــة :
إن الإدارة كعلم من العلوم الاجتماعية وليد القرن الماضي، بل يمكن القول أنه لم تتوفر لها مقومات العلم إلا بعد النصف الثاني من القرن العشرين، وبالتالي إذا نظرنا إلى الإدارة كعلم فهي علم حديث، لم يتعد عمره أجيال، أما الإدارة كممارسة فترجع إلى فجر التاريخ، حيث تعتمد الآراء المختلفة للعديد من علماء الإدارة الرواد والمعاصرين، والذين أسهموا بمجهوداتهم الفكرية، وتجاربهم العلمية في تأصيل الفكر الإداري، على أن الإنسان في مختلف المجتمعات كائن اجتماعي بطبعه لا يستطيع أن يعيش منعزلاً عن باقي الأفراد. هذا الإنسان تتكون لديه مجموعة من الاحتياجات والرغبات والأهداف يريد إشباعها، وهو في سبيل ذلك يسعى إلى غيره من الأفراد والمنظمات لإشباع تلك الحاجات، وتتمثل مجموعة المجهودات التي يبذلها الإنسان لتحقيق أهدافه المختلفة من خلال التعاون مع الأفراد الآخرين وهي الصورة الأولية والأساسية التي بنيت عليها "فكرة الإدارة"، حيث إنها المسؤولة عن القيام بكافة الأنشطة التي تساعد الأفراد علي تحقيق أهدافهم المختلفة عبر مجموعة من الوظائف هي ( التخطيط , التنظيم , التوجيه , الرقابة )، بالإضافة إلي تهيئة الظروف البيئية المحيطة، التي تضمن استخدام الموارد المتاحة المادية والبشرية أفضل استخدام، وتتسم هذه الوظائف بالتشابك التداخل، فمع أن لكل وظيفة خصوصية معينة تستهدف تحقيق أغراض محددة، إلا أن هذه الأغراض تجتمع معاً لتحقيق الأهداف.
بناءً على ما سبق يتبين أن الإدارة وسيلة تنشد تحقيق غايات معينة وأغراض محددة ، فهي تعمل على استثمار القوى البشرية والإمكانات المادية المتاحة من أجل الوفاء بتطلعات الفرد والجماعة، كونها المرتكز الرئيس في تطوير الأفراد والجماعات، والعامل الحاسم في تحقيق التنمية في المجالات كافة.
من هذا المنطلق أصبحت لدراسة الإدارة أهمية عظمى لتحقيق الإصلاحات الإدارية المنشودة ولرفع الكفاءة الإدارية، ولتوفير النفقات، ولتحقيق الأهداف والوصول إلى النتائج بأقصر الطرق وأقل التكاليف.
بناء على ما تقدم نصوغ الإشكالية التالية : ما المقصود بالإدارة ؟ و ما هي أهم النظريات التي تعرضت لها ,أو بالأحرى كيف تطور مفهوم الإدارة لدى مختلف الباحثين والمهتمين بالفكر الإداري؟
وللإجابة على هذه الإشكالية سنعمل على وضع التصميم التالي:
المبحث الأول: الإدارة النشأة والتطور:
المبحث الثاني: الإدارة العامة والإدارة الخاصة أو إدارة الأعمال
المبحث الأول: الإدارة، النشأة والتطور
عرف الفكر الإداري سنوات طويلة من الممارسة جعلته يأخذ عدة نظريات ترجمت في مفاهيم و تعاريف ميزت كل مرحلة من حيث المداخل و الاتجاهات التي وجه إليها العلماء اهتمامهم
المطلب الأول: تعريف الإدارة
إن أول ملاحظة تثير الباحث وهو يبحث في مفهوم الإدارة تكمن في تعدد التعاريف وتنوعها، حيث لايوجد حتى الآن أي تعريف موحد ومتفق عليه للإدارة. وذلك بسبب تعدد الاهتمامات ووجهات النظر من ناحية، وبسبب التغير المستمر في دور المنظمات نتيجة للبيئة المحيطة.
وهكذا فإن أكثر التعاريف انتشارا للإدارة هو ذلك التعريف الذي ساهمت به ماري باركر فوليت (Mary Parker Follet) عام 1918: "الإدارة هي فن تحقيق الأشياء من خلال الآخرين"، وبالرغم من بساطة هذا التعريف إلا أنه ركز على جوهر الإدارة.
ومن التعريفات المعاصرة للإدارة تعريف دونيللى (Donnelly)الذي وصف الإدارة بأنها "تلك العملية التي يتم القيام بها من خلال شخص واحد أو عدة أشخاص لتنسيق الأنشطة والأعمال التي يقوم بها الآخرون بغرض تحقيق نتائج معينة لا يمكن إنجازها بواسطة فرد واحد"[1].
ويرى الدكتور فؤاد العطار أن الإدارة هي" تنظيم وتوجيه وتنسيق ورقابة مجموعة من الأفراد داخل منظمة لإتمام عمل معين بقصد تحقيق هدف معين"[2]، فيما يرى كل من إلدج و ستيرنز(Aldage & Stearns) أنه من المفيد أن نفكر في الإدارة بكونها تلك "العملية أو الوضع المستمر والمرتبط بالأنشطة والمهام في أي منظمة، وأن هذه الأنشطة بالتالي يتم القيام بها بطريقة منتظمة وتتطلب من المديرين تنظيمها وإدارتها بطريقة واضحة ومنسقة مع توقعات باقي الأعضاء في هذه المنظمة"[3].
ورغم تعدد التعاريف المشار لها في هذا الصدد وتنوعها، فإن ذلك لايعني اختلافها في جوهرها وفي مقوماتها الأساسية، وعلى هذا الأساس يمكن تعريف الإدارة بشكل عام على أنها: "مجموعة أعمال منظمة تقوم بها، أو بأدائها، موارد بشرية تتولى السلطات الرسمية تعيينها، وتوفير الإمكانات والموارد البشرية الأساسية من أجل تنفيذ الخطط والبرامج الموضوعة لها بهدف تحقيق الأهداف العامة المرسومة لها، بأكبر كفاية إنتاجية، وبأقل كلفة وفي وقت ملائم"[4].
ومن خلال غالبية التعاريف التي حاول الفقه وضعها بشأن الإدارة، نستشف بأن هذه الأخيرة تتسم بخصائص ثلاثة تكمن في الطابع الإنساني للإدارة وفي الطابع الحتمي لها وفي الطابع الهادف لنشاطها.
ـ الطابع الإنساني للإدارة: الذي يفيد بن جميع أنشطة الإدارة موجهة لخدمة الناس وهي بذلك تمارس نشاطها في محيط اجتماعي معين.
ـ الطابع الحتمي للإدارة: الذي يتضح من خلال إسناد عملية تنفيذ الأهداف المرسومة والمحددة إلى هيئة معينة تتوفر في أعضائها صفات خاصة.
ـ الطابع الهادف للإدارة: إذ أنه لكل إدارة هدف تسعى إلى تحقيقه، بحيث يجب أن يكون هذا الهدف ممكنا وواضحا ومعلوما بالنسبة لجميع القائمين بعمال الإدارة في جميع مستوياتها.[5]
المطلب الثاني: التطور التاريخي للإدارة
عرف التطور التاريخي للإدارة إسهامات أثبتت فعاليتها في الممارسة و التطبيق العملي، الذي كان نتاجا متراكما لمجهودات رواد الفكر الإداري، حيث عرف مداخل مختلفة بلورت الإطار العام لعلم الإدارة، و التي حددت في:
v المدخل الكلاسيكي: واكب هذا المدخل الثورة الصناعية في أوربا و الذي تجسد في ثلاثة نظريات:
· الإدارة العلمية: ظهرت حركت الإدارة العلمية على يد فريدريك تايلور الذي نهج أسلوبا يقوم على التجربة و المشاهدة و تسجيل الأحداث و تحليلها و التوصل إلى نتائج بناء على هذا التحليل.
فالفكرة الرئيسية لتايلور هو تحقيق زيادة الإنتاجية عن طريق إتباع أسلوب قوامه التخصص.[6]
كما اعتمد على أربعة مبادئ رئيسية للإدارة العلمية:
- تصميم طريقة علمية لكل وظيفة معايير لمتابعة الأداء وطرق لتحقيق الكفاءة التي يمكن تطبيقها.
- الاختيار العلمي للأفراد على أساس القدرات و المهارات التي تتلائم مع متطلبات كل وظيفة.
- تأكيد التعاون من خلال الحوافز التشجيعية، و توفير بيئة العمل التي تساعد على الوصول إلى النتائج القصوى في العمل.
- تقسيم المسؤولية بين المديرين و العمال و تأييد جماعات العمل لتحقيق أفضل النتائج.
فأضحت الإدارة العليا هي الوسيلة الرئيسية لتعظيم الكفاءة من خلال دراسة و تحليل وظائف الإدارة، و إقامة المعايير المثلى للأداء و تنميط العمل و تحديد أفضل الطرق لأداء المهام، كما قدم تايلور نظام الأجر بالقطعة و تحليل الوقت و الحركة و تنميط العمليات ووسائل الكفاءة.[7]
·الإدارة البيروقراطية قدم ماكس فيبر نموذجا مثاليا للتنظيمات الرسمية المعقدة، فالبيروقراطية الرسمية تعكس عنصر الرشد و الكفاءة في دائرة المنضمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و من خلال خصائص مميزة لهذا التنظيم:
- التدرج الهرمي للسلطة من الأعلى إلى الأسفل لتحقيق رقابة المستويات الإدارية العليا.
- التخصص الوظيفي وتقسيم العمل و تعيين الأفراد وفقا للتخصص في العمل.
- إلغاء الطابع الشخصي و التجرد من الذاتية.
- دعم عنصر الكفاءة التي تبرز الصفة المميزة للموظف.
- الفصل بين حياة الموظف الخاصة و العملية.[8]
·الإدارة الإدارية تعتبر النظرية الإدارية من أكثر النظريات الكلاسيكية تأثيرا في تطور الفكر الإداري و التي قادها هنري فايول، فاعتبر الإدارة نشاط يتكون من عناصر تنطبق على كافة المجهودات البشرية و في كافة المجالات.
و يرى فايول أن للإدارة خمس وظائف أساسية تتمثل في التخطيط و التنظيم، إصدار الأوامر و التنسيق ثم الرقابة.
v المدخل السلوكي نشأ هذا المدخل عن طريق البحوث و الدراسات التي أجراها ثلة من علماء النفس و الاجتماع و الأنتربولوجيا، و يتكون المدخل من
· مدرسة العلاقات الإنسانية اتبع إلتون مايو نفس الأسلوب التحليلي الذي نهجه تايلور مع بعض الاختلاف في التركيز على العنصر البشري لفهم ظاهرة العمل و العاملين و العلاقات فيم بينهم، و من أبرز سمات مدرسة العلاقات الإنسانية دراسات و تجارب الهوثرون التي تمت في شركة وسترن إلكتريك الأمريكية.
· نظرية اتخاذ القرارات: عرف هربريت سايمون الإدارة بأنها عملية اتخاذ القرارات لما لها مت أهمية بالغة في الحياة اليومية للمدير فقام بتصنيف القرارات إلى روتينية أو مبرمجة و أخرى إبداعية أو متجددة، ووضع لها منهجا علميا يسير علية المدير في تحديد المشكلة و جمع المعلومات و تحليلها.
· المدرسة السلوكية: تأخذ سلوك الإنسان في محيط البيئة التي يوجد بها مع اعتبارها للعوامل المؤثرة فيها، و تناول التفاعل الحركي الذي يحدث السلوك الفردي و الجماعي.[9]
v النظريات الحديثة في الإدارة: هي مجموعة من الاصطلاحات و الافتراضات حول السلوك الإنساني في مجال العمل و تحليل دوافع العمل بقصد فهم هذا السلوك و محاولة توجيه الوجهة التي تحقق الأهداف التي تتوخاها الإدارة.
و تتكون هذه النظريات من:
· مدرسة النظم: يهدف هذا المنهج إلى اعتبار المنظمة نظام اجتماعي يعمل كوحدة تتكون من أجزاء أي نظم فرعية مترابطة، و أن أي تغيير في جزء من أجزاءه يكون من منظور المنظمة ككل.
· مدرسة علم الإدارة: و يطلق عليها اسم مدرسة اتخاذ القرارات، ويعتبر chester Barnard من الرواد الأوائل الذين أكدوا على فكرة كون الإدارة و التنظيم نظاما للمعلومات و نمطا من اتخاذ القرارات، و طور " هربرت سايمون herbert simon " هذه الفكرة و أكد على أن الإدارة هي عملية اختيار البدائل و اتخاذ القرارات مع تقليل الوقت اللازم لإصدار مختلف القرارات.[10]
· مدرسة الموقف: اعتمد هذا المدخل على تكييف سلوكيات القيادي ليتلائم و طبيعة وأبعاد المواقف المختلفة، أي أن هذا المدخل يظهر طرقا عديدة فعالة للإدارة تعتمد على الظروف المحيطة بالموقف في بيئة العمل، تبتدئ من التشخيص في حل المشكلات و فهم متغيراته واختيار الحل المناسب للأفراد و الجماعة و المنظمة.
و توجد اتجاهات أخرى من قبيل:
· نظرية X و Y : اعتمد "مكريجور MCGreogor " تصوره لفروض النظرية الكلاسيكية و التي أطلق عليها اسم ( X ) ثم تعرض لفروض نظرية العلاقات الإنسانية و أسماها ( Y ) و ذلك في:
- نظرية X
- كراهية الإنسان العادي للعمل.
§ الحاجة إلى إجبار الفرد للقيام بالعمل
§ الإنسان بطبعه كسول و كل ما يريده هو الأمن و الاستقرار
- نظرية Y
§ حب الإنسان العادي للعمل.
§ يسعى برغبته إلى العمل نظرا للمكافأة التي ينتظرها.
§ الإنسان العادي لايتهرب من المسؤولية
ثم توصل إلى أن الفرد العامل أقرب في طبيعته و سلوكه إلى افتراضات النظرية Y.[11]
المبحث الثاني: الإدارة العامة والإدارة الخاصة أو إدارة الأعمال
مطلب أول : مطلب مميزات الإدارة العامة
يقصد بالإدارة العامة في اللغة الجارية، الموظفون العموميون الذين يعملون باسم الأشخاص المعنوية العامة، مستعملين غالبا سلطات القانون العام ، يستوي أن يكون ذلك بأسلوب مركزي أو لا مركزي، وعل أن للإدارة العامة في اللغة الفنية مدلولا مختلفا يثير الجدال والخلاف بين الفقهاء الكتاب، ويمكن رصد هذا الخلاف في ثلاث اتجاهات رئيسية في التعريف بالإدارة العامة.
· الاتجاه الأول يربط مابين الإدارة وتنفيذ السياسة العامة
ويعرف الإدارة العامة بأنها " جميع العمليات التي تستهدف تنفيذ السياسات العامة" ليونارد وايت " [12]
· الاتجاه الثاني الذي يربط ما بين الإدارة العامة والنشاط الإداري
ويعرف الإدارة العامة بأنها تتضمن أنواع النشاط الذي تقوم به الحكومة وإدارتها التنفيذية والمقاولات العامة"[13]
· الاتجاه الثالث الذي يربط ما بين الإدارة العامة والأجهزة الإدارية
ويعرف الإدارة العامة بأنها وسيلة إدارة الأعمال العامة والأجهزة الإدارية[14] والواقع أن اختلاف الباحثين حول تعريف الغدارة العامة يرجع إلى أن البعض ينظر إلى الإدارة العامة نظرة موضوعية في حين أن البعض الأخر ينظر إليها نظرة عضوية، والتعريف الصحيح والشامل للغدارة العامة يجب أن يتضمن العناصر الثلاث الآتية:
الجانب الموضوعي للإدارة: أي العملية الإدارية والنشاط الإداري
الجانب العضوي للإدارة أي الجهاز الإداري أو المنظمة العامة التي تقوم بالعملية الإدارية والنشاط الإداري .
هدف الإدارة العامة هو تحقيق أو تنفيذ السياسة العامة، واستنادا إلى ذلك يعرف الدكتور عبد العزيز شيحا: الإدارة العامة بأنها مجموعة الأنماط المتشابكة المتعلقة بصنع القرارات الإدارية ( العملية الإدارية ) والتي تقوم بها المنظمة العامة ( جهاز إداري) تحقيقا للسياسة العامة التي تستهدفها الدولة ( هدف الإدارة العامة).
هذا وبعد أن تم توضيح العنصر الأول من المقومات الأساسية للإدارة في إطار تعريف الإدارة بقي أن نعرف العنصرين الآخرين لهذه المقومات والمتمثلين في الهدف العام والمنظمة العامة لنخلص بعد ذلك إلى معرفة طبيعة الإدارة العامة.
Ø الهدف العام
ترتكز الإدارة العامة على إدارة كما ترتكز على هدف عام تسعى وراء تحقيقه داخل كل دولة بواسطة السلطة السياسية المختصة وليس من السهل تحديد دائرة الأهداف العامة نظرا لاختلاف فكرتها تبعا لاختلاف الأحوال السياسية هذا بالإضافة إلى تأثرها بالأنظمة الاقتصادية والاجتماعية المطبقة. وقد انحصرت دائرة الأهداف العامة خلال القرن 19 وأوائل القرن 20 في نطاق ضيق ومجال محدود ( صون الأمن وإقامة العدل وصد الغزو...) على أن انتشار المذاهب الاشتراكية منذ الحرب العالمية الأولى أدى إلى اتساع دائرة الأهداف العامة وتنوعها وامتدادها إلى آفاق جديدة لم تكن معروفة من قبل.
وأيا كان الأمر فإن عمومية الأهداف تتحقق كلما تعلقت بتأدية خدمات عامة أو إشباع حاجات جماعية أو تحقيق مصالح عمومية.
المنظمة العامة: ترتكز الإدارة العامة على إدارة وهدف عام، وهي ترتكز في الوقت ذاته على وجود منظمة عامة. ويمكن القول بوجود منظمة عامة متى اعترفت القوانين بالصفة العامة لمنظمة عامة.
طبيعة الإدارة العامة: عند دراسة الإدارة العامة كثيرا ما يطرح السؤال الآتي : هل الإدارة علم له نظرياته وقوانينه ومبادئه؟ أم فن يعتمد على الموهبة الشخصية والمهارات الفردية، أم أن كلاهما من الأمور الحيوية للإدارة الناجحة؟ والواقع أن فقهاء الإدارة قد اختلفوا في هذا الخصوص،وظهر نتيجة هذا الخلاف ثلاثة اتجاهات مختلفة.
Ø الاتجاه القائل بفنية الإدارة
إن معنى الفن هو الوصول إلى النتيجة المنشودة عن طريق تطبيق المهارة الذاتية والخبرات العملية ويستند رأي الفقهاء الذين يدافعون عن فنية الإدارة إلى أن الإدارة العامة تبنى على قواعد غامضة وغير مؤكدة أو هي بالأدق مجرد توجيهات يسترشد بها دون أن يكون لها أية صفة علمية ثابتة أو محققة، هذا بالإضافة كون المدير يوجه من وقت لأخر مجالات لا يوجد بها إلا القليل نسبيا من العلم والمعرفة. [15]
وينبغي على المدير في جميع مثل هذه الأحوال أن يعتمد إلى حد كبير م معتقداته وتخميناته وقدرته على الخلق وعلى مهاراته في تطبيقها واستخدامها أي بعبارة أخرى يجب عليه أن يعتمد على ما يمتلكه من فن الإدارة .[16]
Ø الاتجاه القائل بعلمية الإدارة
يمكن تعريف العلم بأنه مجموعة منظمة من المعرفة والتي تم تجميعها وقبولها لفهم الحقائق الأساسية المتعلقة بظاهرة معينة أو موضوع دراسة. ويجمع الفقهاء الدين يمثلون هذا الاتجاه على أن الإدارة تقوم على مجموعة من المبادئ والقواعد التي استمدت وجودها عن طريق الملاحظة والتجربة واستنبطت على أساس الدراسة والبحث.
وقد تأثر دعاة هدا الاتجاه بظهور حركة الإدارة العلمية في بداية القرن العشرين والتي يتزعمها تايلور .وفايول .وليونارد وايت . واستندوا إلى أن العملية الإدارية وما تتضمنه من مراحل تقوم على أسس ثابتة وتعتمد على أصول البحث العلمي.
Ø الاتجاه القائل بعملية وفنية الإدارة
يستند رأي الفقهاء الذين يدافعون عن فكرة الإدارة علم وفن. على انه لا غنى للمدير اليوم عن الاستناد إلى الأسس العلمية للإدارة. ومن جهة أخرى لا غنى له عن مهارة التطبيق والترجمة الذكية والنقل الواعي للمبادئ والمفاهيم من المجال النظري إلى ميدان الواقع اليومي الذي يموج بالتغيرات والتناقضات . بالعوامل المساعدة والعوامل المضادة . ويجمع بين العلم والفن لفظ المهنية، فقد أصبحت الإدارة اليوم مهنة إلى جوار المهن الأخرى كالطب والهندسة والمحاماة والمحاسبة. وللمهنة قواعد تتلخص في وجود عدد من الناس ينتمون إليها ورصيد علمي للمهنة، يتضمن أصولها وأسسها ومبادئها ومفاهيمها والنظريات والتجارب التي تجري فيها وقواعد أخلاقية للممارسة الهنة، يلتزم بها المنتمون إليها ويتبعونها في سلوكهم وأدائهم.
المطلب الثاني: علاقة الإدارة العامة بالإدارة الخاصة
يطلق مصطلح الإدارة العامّة ويراد به التمييز عن إدارة المشروعات الاقتصادية؛ حيث الهدف النهائي للإدارة العامة هو تقديم الخدمات اللازمة للحفاظ على المجتمع، وتتمثل الأهداف العامة في الأهداف الاقتصادية والأهداف الصحية والأهداف الجمالية.
فالإدارة العامة: هي الأم والمرآة التي تعكس السياسة العامة للدولة في مختلف مرافقها ووزارتها الكثيرة وقطاعاتها المتعددة. و بغيـة تحقيق الأهداف العامة لسياسة الدولة. بينما الإدارة الخاصة (إدارة الأعمال): هي تلك الإدارة ذات الطابع الاقتصادي غير العام، والتي تقوم بإنتاج السلع والخدمات اللازمة لأفراد المجتمع وأجهزة الدولة بهدف تحقيق
عادةً يُطرَحْ السؤال عن الفرق بين المنظمات الحكومية أو ما يُعرف بالإدارة العامّة، والإدارة الخاصة هلْ هما شيء واحد أم أنّ هناكَ اختلاف بينهما ؟.
وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا بداية تحديد بيئة كلٍ منهما، فالإدارة العامّة ترتبط بالدولة ومؤسساتها، بينما إدارة الأعمال ترتبط مباشرة بمشاريع الأعمال الهادفة إلى تحقيق الربح، أي بإدارة المشاريع على أسس اقتصادية(1).
وعليه فقد تأثر وارتبط مفهوم الإدارة العامّة وممارستها في الفكر الإداري الغربي الحديث بالنظر إلى دور الدولة وتطوره من مفهوم الدولة الحارسة(2) إلى مفهوم الدولة ذات الوظائف الاجتماعية والاقتصادية والذي بدأ يظهر في أعقاب الثورة الصناعية الَّتي أدَّت إلى فقدان الفرد للعائلة التي كانت تزوده بمجمل ما يحتاجه اجتماعياً؛ وبالتالي ظهرت الحاجة إلى قيام الدولة ببعض هذه الوظائف، أما على صعيد الفكر الإسلامي فقد قرَّر منذ البداية قيام الدولة بوظيفة اجتماعية واقتصادية بجانب الوظيفة السيادية.
وبغض النظر عن المشاركين في وضع الأهداف العامة، وهل تشترك فيه الإدارة العامة أم يضعها السياسيون فقط؟ فإنّ قيام الدولة بتحقيق أهداف عامّة يحتاج إلى جهاز إداري يحقق هذه الأهداف؛ وبالتالي تنشأ الإدارات العامّة التي تهدف إلى تحقيق الأهداف العامة. ولقد زاد من أهمية الإدارة العامة الحربين العالميتين؛ حيث زادت الأعباء الملقاة على عاتق حكومات الدول لإعمار ما دمرته الحروب في ظلّ تحطم البنى الإنتاجية وندرة الموارد الطبيعية.
Ø الإدارة العامة و الإدارة الخاصة :
تتولى الإدارات العامّة تحقيق أهداف عامة بينما تتولى الإدارات الخاصة تحقيق أهداف خاصة ، وهنا يجب علينا أن نفرق بين الإدارات العامة التقليدية (والتي غالباً تقوم على مفهوم الدور التقليدي للدولة والذي يحصرها في الدفاع والأمن والقضاء) ، وبين الإدارات العامّة لوظائف الدولة المستحدثة في المجال الاجتماعي والاقتصادي. فالظروف التي تعمل فيها كلا النوعين من المنظمات قد تختلف، ففي الحالة الأولى تكون الوظائف حكر على الدولة فمثلاً لا يستطيع الأفراد القيام بإنشاء وزارات للخارجية، أو إصدار عملة، أما في الحالة الثانية فيمكن للأفراد تأسيس منظمات تؤدي نفس مهام المنظمات العامة الاقتصادية كتقديم خدمة معينة .وحقيقة أنّ مدى اتساع أو ضيق وظائف الدولة سواء التقليدية أو المستحدثة يعتمد على تطور المجتمع ، فعلى سبيل المثال يمكن أن تكون الكهرباء مملوكة للدولة في مجتمعٍ معين بينما هي ملكية خاصة في دولة أخرى، أو ملكية مشتركة في دولة ثالثة وهكذا.
وعليه إذا ما قارنا بين الإدارات العامّة التقليدية و الإدارات الخاصة سنجد أنهما يختلفان ويتشابهان في عوامل أساسية هامة، وعلى رأسها ما يلي:
أوجه التشابه بين الإدارة العامة و الإدارة الخاصة :
ان سعي كلاً من الإدارتين لتقديم خدمة للمواطنين وإشباع رغباتهم وحاجياتهم . فالتخطيط والعمل لتحقيق الأهداف التي تنشدها الإدارة بأقل تكلفة وأعلى كفاءة . و إتباع وتطبيق نفس المبادئ بالإدارة ( تقسيم العمل – التخصيص – وحدة القيادة – نظام الإشراف – اقتران السلطة بالمسؤولية ) . العمل تحت سقف القانون العام ومراعاة المصلحة العامة .
بالإضافة للواقع الفعلي الذي تعيش فيه الإدارات الخاصة من ضخامة في الميزانية وعدد العاملين والأهداف والمساهمة في المجتمع بالإضافة لسعيها إلى نقش اسمها في التاريخ حيث أن تلك المؤسسات لم تعد تهدف إلى الربح فقط بل تسعى إلى رسم صورة ذهنية طيبة عنها لدى المستهلك بالإضافة إلى الربح. إذ تعيش في جو ديمقراطي تُسأل فيه أمام الجمهور عن أفعال أصحابها وبرامجها أي أنها مسئولة أمام المجتمع. والتزامها بقوانين وإجراءات صارمة عند القيام بمهامها وواجباتها المختلفة لرفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين .و الاعتماد على الفن والاستعداد الشخصي والموهبة الذاتية سعيها إلى تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وجهد وأقصر مدة زمنية من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة .بالإضافة كذلك لاعتمادها على الوظائف الرئيسية في الإدارة ، التخطيط ، التنظيم ، التوجيه ، الرقابة ، القيادة .
فبالرغم من التقارب الشديد بين الإدارة العامة و الإدارة الخاصة إلا أن هناك فروقاً واضحة،تتجلى في
هناك اختلاف في العديد من الجوانب مثل الهدف، المستفيدين، المنافسة، استمرارية الوظيفة.
1. من ناحية الهدف:
تهدف الإدارة العامة إلى تقديم خدمة أو تحقيق مصلحة عامة لأفراد المجتمع من خلال النشاط الذي تقوم به.
بينما في الإدارة الخاصة يكون الدافع للقيام بأي نشاط هو تحقيق عائد اقتصادي. و الإدارة لا تقدم على أي نشاط إلا بعد دراسة مستفيضة لمعرفة الجدوى الاقتصادية للمشروع.
2. من ناحية المنافسة:
المشروعات العامة تعمل في ظل ظروف احتكارية حيث توجد ادارة واحدة لكل نشاط ويوجد بينها نوع من التنسيق والتكامل هدفها المصلحة العامة لأفراد المجتمع.
بينما يسود الادارة الخاصة روح المنافسة الحرة وتتسم الشركات الخاصة بالجرأة ، والمخاطرة وتحين الفرص الأمر الذي يؤدي الى التطور السريع والإبداع .
3. من ناحية استمرارية الوظيفة :
نشاط المنظمات العامة ذات طابع حيوي وضروري لأفراد المجتمع وهذا يساهم في دائمية الوظيفة والاستقرار.
بينما في الادارة الخاصة عادة ما تكون الوظيفة ذات طابع مؤقت وتعاقدي لأنه يمكن توقف نشاط الشركة في حالة عدم قدرتها في تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية وتحقيق الأرباح التي يتوقف عليها استمرار نشاطها.
4. من ناحية المساواة :
مساواة العاملين في القطاع العام في المزايا مثل الأجر والإجازات وشروط الترقية لوجود نظام واحد يطبق على العاملين في القطاع العام ( مثل نظام الضمان الاجتماعي ، قانون العمل) بصرف النظر عن المرفق.
أما الادارة الخاصة فلكل شركة نظامها الخاص الذي تنفرد به عن بقية الشركات الأخرى تحكمه ظروف الشركة الاقتصادية واحتياجاتها من القوى العاملة.
كما ان هناك اختلاف جوهري وعميق في معايير اتخاذ القرار و أساليب وطرق التقييم و المسؤولية بالاضافة إلى الأساس المالي .
1. معايير اتخاذ القرارات:
القرارات التي يتم اتخاذها في الإدارة العامة هي في الواقع نتيجة للمناقشات والمداولات والمساومات المتبادلة بقصد تحقيق اتفاق شامل حول تحقيق هدف معين لوجود اعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية.
أما في الادارة الخاصة فاتخاذ القرارات يعتمد بشكل كبير على المعايير الموضوعية والاقتصادية لأن الهدف الرئيسي هو تحقيق الربح.
2. الأساس المالي:
مصادر الإيرادات في المنظمات العامة متعددة (الضرائب والقروض وأملاك الدولة والاصدار النقدي والرسوم) واعداد الميزانية في القطاع العام يتم عن طريق جهات متعددة داخل المنظمة وخارجها لذلك تحتاج فترة زمنية طويلة.
أما في الادارة الخاصة فإن الاستثمارات تعتبر المصدر الرئيسي للإيرادات وبوجود حد أدنى من الانفاق على المدخلات ( الموارد البشرية ، والمادية ) واعداد الميزانية الخاصة منوط بوحدة معينة داخل المنظمة وتحتاج عملية اعدادها فترة زمنية أقل مقارنة بالميزانية العامة .
3. أساليب وطرق التقييم:
الاختلاف نابع من طبيعة النشاطات في القطاعين الخاص والعام. ولأن الهدف الأساسي من النشاط في المشروعات الخاصة تحقيق الربح فإنه يمكن الحكم على فشله أو نجاحه.
أما في القطاع العام فإنه لا يمكن أن نقيم الأداء بمعايير نقدية أو ربحية لثانوية العلاقة بين الإيرادات والنفقات التي تحققها الجهة الحكومية
4. المسؤولية:
إن الخلاف الأساسي بين القطاعين العام والخاص يتمحور حول ”مسئولية الأداء“ .
الإدارة العامة مسؤولة أمام جهات متعددة مثل السلطة التنفيذية ، الأجهزة الرقابية والجمهور بوجه عام.
أما المدير في الإدارة الخاصة فيكون مسؤولا أمام الإدارة العليا في المشروع .
في الأخير يمكن القول ان هذه الفروق آخذة بالاضمحلال ، لأن الإدارة العامة بدأت بتحقيق الكفاية الإنتاجية في الخدمات والسعي لبعض الربح بينما أخذت منظمات الأعمال الخاصة بتعديل أهدافها من تحقيق أقصى ربح ممكن إلى تحقيق ربح مرضي إلى جانب مسؤوليتها تجاه العاملين والمجتمع الذي تمارس نشاطاتها وأعمالها فيه إضافة لتحول بعض الشركات الخاصة للعمل في جو احتكاري ، وتضخم بعض منظمات الأعمال الخاصة بالحجم لتصبح أكبر بكثير من الشركات العامة . (الشركات المتعددة الجنسيان وعابرة القارات ).
----------------------------------------
هوامش:
محمد بكري عبد العليم، مبادئ إدارة الأعمال، طبعة 2007، ص4 [1]
فؤاد العطار، مبادئ الإدارة العامة، طبعة 1974، ص7 [2]
محمد بكري عبد العليم، المرجع نفسه، ص5[3]
محمد مرزوق، التواصل الإداري النظريات والأسس والمبادئ والتطبيقات، الطبعة الأولى 2011، ص36[4]
محمد باهي، المبادئ والأسس العلمية للتحرير الإداري، الطبعة الثانية 1998، ص66 و67[5]
[6] محمد باهي، المبادئ و الأسس العلمية للتحرير الإداري، الطبعة الثانية 1998، ص 96.
[7] ، محمد بكري عبد العليم مبادئ إدارة الأعمال جامعة بنها، مركز التعليم المفتوح، كلية التجارة قسم إدارة الأعمال، طبعة 2007، ص75.
[8] محمد بكري عبد العليم، المرجع نفسه، ص 80.
[9] محمد باهي، مرجع سابق، ص 98.
[10] الهبري الهبري، النظريات الحديثة في الإدارة، محاضرات في القانون العام ، تخصص إدارة ومالية، جامعة محمد الأول وجدة. 2009، ص2.
[11] الهبري الهبري، المرجع نفسه، ص 7.
ليونارد وايت، مقدمة في دراسة علم الإدارة العامة [12]
هاربرت سيمون، الادارة العامة 1964 ، ص7[13]
شارل دباش في كتابه العلوم الإدارية،1976 ، ص 1 [14]
[15] محمد باهي، المبادئ والأسس العلمية للتحرير الإداري ،ص 71
[16] محمد باهي، مرجع سابق ص72
(1) يُلاحظ في الوقت المعاصر امتداد مفهوم إدارة المنظمات على أسس اقتصادية حتى لو كانت غير هادفة إلى تحقيق الربح أكانت منظمات عامّة.
(2) الدولة الحارسة أو الدولة السيادية هي التي تقوم بثلاث وظائف أساسية وهي الدفاع (ضد الأعداء الخارجيين) والأمن (للأفراد داخل المجتمع) والقضاء (لفض منازعات الأفراد وحفظ حقوقهم)، وأصحاب هذا الرأي لا يرون قيام الدولة بأي وظيفة ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي.