قواعد الشكل للقرار الإداري

عرض بعنوان: قواعد الشكل للقرار الإداري PDF

قواعد الشكل للقرار الإداري PDF

مقدمة :
 لا يكفي لمشروعية القرار الإداري أن يلتزم رجل الإدارة حدود إختصاصه ، وإنما يجب أن يصدره وفقا للشكليات و الإجراءات التي حددها المشرع ،لأن تلك الشكليات لا بد أن تكون بمقتضى القوانين و الأنظمة تحقيقا للمصلحة العامة و الخاصة للأفراد. و بالتالي يعد ركن الشكل ركنا جوهريا في القرار الإداري , فإذا تخلف يمكن طلب إلغائه أمام القضاء الإداري. و يمكن القول أن عيب الشكل هو سبب من أسباب أوجه إلغاء القرار الإداري. وتهدف قواعد الشكل حماية المصلحة العامة و مصلحة الأفراد حتى ولو لم يوجد نص بذلك ، ومن هنا نستشف أن هذه الشكليات بمقدار ما تحقق للأفراد من ضمانات بعدم إرهاقهم أو مضايقتهم أو التعسف بحقوقهم أو حرمانهم من بسط دفاعهم ، فإنها أيضا تؤدي إلى ضمان سير المرافق العامة بانتظام وتحقيق المصلحة العامة. وعليه فإن الحكمة الكامنة وراء وضع قواعد الشكل , إنما هي لإقامة بعض الضمانات للأفراد لتكون ثقلا يوازي السلطات الضخمة الممنوحة للإدارة في مجال القرارات الإدارية ، حتى إذا لم تراعي هذه الشكليات إعتبر ذلك إنتقاصا من الإدارة لهده الضمانات إزاء سلطاتها الواسعة ، و تكمن أهمية قواعد الشكل كذلك بإلتزام الإدارة بإتباع الإجراءات الشكلية بإعتبارها مستوحاة من القانون أو النظام ، أو المبادئ العامة للقانون أو المبادئ التي إستقر عليها القضاء الإداري أو من العرف الإداري. فالإدارة تكون ملتزمة تبعا لذلك بإحترام مجموعة من القواعد الشكلية الأساسية عند إصدارها لقراراتها التنظيمية و الفردية تمهيذا لإتخادها . و الإجراءات الشكلية من وجهة نظر الفقه الحديث ليست مجرد عقبات أو إجراءات روتينية لا قيمة لها , ولكنها ضمانات لحريات الأفراد و حقوقهم و ذلك بإتخاد قرارات متأنية مدروسة بعيدة عن التسرع و الإرتجال وتزن الملابسات و الظروف المحيطة بالقرارات سعيا لتحقيق المصلحة العامة. فهي وسيلة كفيلة بتجنيب الإدارة في الوقوع في حالات الخطأ و ضمان مبدأ المشروعية في القرار الإداري. و ركن الشكل لا يتعلق بالنظام العام بخلاف ركن الإختصاص ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، و هذا يقتضي أن المحكمة لا تتصدى لعيب الشكل من تلقاء نفسها ، بل تنظر فيه إذا أثاره الطرف المتضرر من القرار المعيب شكلا.
و قد ثار التساؤل حول ما إذا كان الإجراء أو قواعد المسطرة يعد عنصرا من عناصر الشكل أم أنه مستقل عنه. فلقد إنقسم الفقه الإداري بخصوص هده المسألة إلى إتجاهين إثنين :
ذهب الجانب الأول من الفقه إلى التفرقة بين الشكل و قواعد المسطرة في القرار الإداري ، و عدم إعتبارها عنصرا واحدا يشكل سببا من أسباب الإلغاء , و يستند هذا الرأي الفقهي في تعريفهم للإجراءات بأنها «مجموع العمليات أو القواعد القانونية التي يجب على الإدارة مراعاتها قبل إصدار القرار إلى حين وضع القرار في القالب أو الصورة التي يصدر فيها » و تعريفهم للشكل بأنه الإطار أو المظهر الخارجي الذي تظهر فيها إرادة الإدارة المنفردة بشكلها النهائي. في حين إتجه الجانب المقابل من الفقه إلى إعتبار الإجراء من عناصر الشكل على أساس أن المقصود بالشكل المظهر الخارجي الذي يتخذه القرار للإفصاح عن إرادة الإدارة المنفردة و ذلك لا مجال للفصل بين الإجراء المتبع لإصدار القرار وشكله. و هذا الرأي هو ما درج عليه أغلب الفقه.
لم يظهر الشكل إلا بعد تطور تدريجي و طويل كركن من أركان القرار الإداري , فكان الإختصاص هو الركن الوحيد المميز للقرار، ففي فرنسا فقد قامت دعوى الإلغاء أولا على وجه واحد وهو عيب الإختصاص ، ذلك أن قانون 13 أكتوبر سنة 1790 الذي إتخد الإختصاص أساسا لقضاء الإلغاء لا يتحدث إلا عن طلبات عدم الإختصاص ، و بعد وقت قصير ظهر الوجه الثاني من أوجه الإلغاء وهو عيب الشكل على أساس أن هذا الأخير هو في حقيقة الأمر وضع من أوضاع عيب الإختصاص ، فرجل الإدارة قد منح إختصاصا ليباشره في شكل معين و بإجراء محدد، فإذا باشره بإجراء أو بشكل مخالف كان قد خرج من إختصاصه، وظل هذان الوجهان من أوجه الإلغاء حتى سنة 1864 [1] ، حيث كان الشكل مرتبطا بركن الإختصاص في هذه المرحلة الأولى. و لما رسمت دعائم مجلس الدولة الفرنسي بزوال الملكية إزداد مجال تطبيق دعوى الإلغاء، حيث قام مجلس الدولة بمجهود كبير في هدا المجال فظهر الشكل كركن مستقل بذاته عن الإختصاص في المرتبة الثانية و ذلك في هده المرحلة الثانية، ثم تلاه بعد ذلك باقي الأركان من غاية ومحل و سبب. أما بالمغرب فلم يحدد المشرع أسباب إلغاء القرار الإداري في قانون إنشاء المجلس الأعلى لسنة 1957 مفسحا المجال للإجتهاد القضائي خصوصا الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى و التي إستهدت في ذلك بقضاء مجلس الدولة الفرنسي [2] . إلا أنه و بصدور قانون المحاكم الإدارية سنة 1993 فقد نصت المادة 20 منه على أن : » كل قرار إداري يصدر عن جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لإنحراف في السلطة أو لإنعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في إستعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة. «
تنوعت و تعددت التعريفات التي أعطيت لمفهوم الشكل ، و هكذا فقد عرفه الدكتور أحمد الدايداموني بكونه « مجموعة القواعد الإجرائية و الشكلية التي أوجبها القانون على رجل الإدارة مراعاتها قبل إصدار القرار الإداري « [3] .كما عرفه الدكتور سليمان محمد الطماوي شكل القرار بأنه : شكلية يؤدي عدم مراعاتها إلى عدم ترتيب أي اثر قانوني للقرار الإداري.[4] و لقد تعرض هذا التعريف لإنتقادات عديدة لكونه لم يعرف الشكل بقدر ما رتب على تخلف الشكل بإنعدام القرار الإداري و عدم ترتيبه أي أثر قانوني، و هذا بخلاف ما هو متعارف عليه فقها وقضاء لأن القرار يبقى موجودا و قائما رغم عدم إحترام الشكل ولا يؤدي إلى إعدامه.
و بصفة عامة يمكننا تعريف قواعد الشكل بكونها المظهر الخارجي الذي تعبر من خلاله الإدارة عن إرادتها الملزمة و الإنفرادية وفق الأنظمة و الأشكال التي يفرغ فيها القرار الإداري، و لا يشترط في الأصل أن يصدر القرار في صورة معينة أو بشكل محدد ، بل ينطبق هذا الوصف و يجري حكمه كلما أفصحت الإدارة أثناء قيامها بوظائفها عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانوني، و بتعبير اخر فإن القرار الإداري لا يخضع لشكل محدد ما لم ينص القانون بخلاف ذلك ،فهو قد يكون إيجابيا و صريحا كما قد يكون سلبيا أو بالإمتناع ، و إذا كان صريحا فهو قد يكون كتابيا أو شفويا.
فما هي إذن أهم المظاهر و الشكليات الخارجية للقرار الإداري؟ وما هي الجوهرية منها و الثانوية؟ وما هي الحالات التي لا يؤثر فيها تخلف هذه الشكليات على صحة و سلامة القرار الإداري؟
للإجابة على هذه التساؤلات فإننا ارتأينا أن نعتمد التصميم التالي :

المبحث الأول : الشكليات المتضمنة للقرار الإداري
المطلب الأول : القواعد الشكلية الجوهرية
الفقرة الأولى : التعليل
الفقرة الثانية: االتوقيع
الفقرة الثالثة : التبليغ و النشر
المطلب الثاني : القواعد الشكلية الثانوية
الفقرة الإولى: الكتابة
الفقرة الثانية : التأشيرة
الفقرة الثالثة : التاريخ
المبحث الثاني : حالات عدم تأثر صحة القرار الإداري بتخلف قواعد الشكل
المطلب الأول : الشكليات الثانوية غير الجوهرية و الأشكال المقررة لمصلحة الإدارة
الفقرة الأولى : الشكليات الثانوية الغير جوهرية
الفقرة الثانية : الأشكال المقررة لمصلحة الإدارة
المطلب الثاني : حالات تغطية عيب الشكل
الفقرة الإولى : إستحالة إتمام الشكليات و الظروف الإستثنائية
أ – إستحالة إتمام الشكليات
ب - الظروف الإستثنائية
الفقرة الثانية : الإيستيفاء اللاحق للشكل و قبول صاحب الشأن
أ – الإيستيفاء اللاحق للشكل
ب – قبول صاحب الشأن



المبحث الأول : الشكليات المتضمنة للقرار الإداري

يميز العديد من الفقهاء بين الأشكال الجوهرية و الأشكال الثانوية في القرار الإداري فالأشكال غير الجوهرية لا يؤدي تخلفها إلى بطلان القرار الإداري،و هي التي لا تؤثر على محتوى القرار و لا تمس حقوق الأفراد، ومنها الشكليات المقررة لصالح الإدارة أو تلك التي يمكن تدارك إصلاحها بسهولة، ومسألة التمييز بين الأشكال الجوهرية و الأشكال الثانوية تبقى مسألة تقديرية مرتبطة بالنصوص القانونية واجتهادات القضاء.
في حين أن الأشكال الجوهرية هي التي يؤدي تخلفها إلى بطلان القرار الإداري، و التي تؤثر في وضعية الأفراد و تغير في ماهية القرار و بالتالي تكون الإدارة ملزمة باحترامها خاصة إذا نص القانون على ذلك.
كما استقر القضاء الفرنسي على التفرقة بين الشكليات الجوهرية و غير الجوهرية, و رتب جزاء الإلغاء على مخالفة النوع الأول من الشكليات فحسب[5] . وهذا ما سيتم معالجته في المطلبين الاتيين :

المطلب الأول : القواعد الشكلية الجوهرية

وتتجسد هذه القواعد الجوهرية في (التعليل,التوقيع ,التبليغ والنشر)

الفقرة الأولى : التعليل

التعليل أو التسبيب و يقصد به ذكر الأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار الإداري و يعتبر صورة من صور الشكل، و يجدر التمييز بين السبب و التسبيب و حيث أن السبب يعتبر ركنا من أركان القرار الإداري فهو الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق صدور القرار باعتباره أساس القرار الإداري و قد تم الخلط بينهما حينما اعتبرت وزارة العدل بأن عدم التعليل هو عيب السبب.[6]
و هذا ما سار عليه بعض القضاء حينما اعتبر أن انعدام التعليل يقوم مقام الخطأ في السبب و الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا إذا نص القانون على ذلك، و في هذه الحالة يتوجب على الإدارة ذكر الأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار الإداري، و إلا كان قرارها معيبا لعيب في شكله.
و هذا هو المسلك المقرر في فرنسا و هو ما أخذ به مجلس الدولة المصري باستمرار
و هذا ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية 1958اي عدم صحة الوقائع المعتمدة كسبب للقرار الإداري المتخذ[7].
فالقاعدة العامة إذن أن الإدارة غير مجبرة على تعليل قراراتها إلا إذا وجد نص قانوني يوجب عليها ذلك، و لقد ذهب المجلس الأعلى في هذه الإتجاه بالإستناد إلى أحد أحكامه بتاريخ 2 مارس 1987 حيث قضى ما يلي :'' إن الإدارة غير ملزمة بتعليل قرارها ما عدا في الأحوال التي ينص فيها القانون صراحة على وجوب تعليلها ، و يكفي أن تبين أسباب قرارها في مذكرة جوابها عن عريضة طلب الإلغاء''[8]
إلا أنه بعد صدور القانون01-03 أصبح التعليل إلزاميا حيث نص في المادة الأولى منه :'' تلتزم إدارات الدولة و الجماعات المحلية و هيآتها و المؤسسات العمومية و الصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير مصلحة المعني...و ذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية و الواقعية الداعية إلى اتخاذها''

الفقرة الثانية: التوقيع

يعد التوقيع من أهم ما يميز القرار الإداري في شكله الكتابي فهو بذلك يدل على صاحب القرار و اختصاصه من بيان مصدره فانعدام وجود توقيع في صلب القرار الإداري من صاحب الإختصاص يؤدي إلى عدم صحة القرار،مما يجعل من التوقيع شكلية جوهرية ينتج عن تخلفها بطلان القرار الإداري.
و هناك بعض التشريعات الإدارية الملزمة بالتوقيع في القرارات الإدارية رغم قلتها في التشريع المغربي من ذلك المادة 22 من ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي: ''يحرر محضر الجلسات و يضمن في سجل يرقمه و يؤشر عليه الرئيس و الكاتب على المقررات ''[9]
و قد عرف الفقيه houstiou.التوقيع بأنه "الإسم العائلي للسلطة الإدارية، مكتوب بخط اليد في أسفل القرار يهدف إلى تحديد هوية مصدره... و يعد دليلا كافيا للتعبير عن إرادة مصدر القرار و الذي تتمثل فيه السلطة الإدارية بصورة صريحة ، و تعد موافقة منها على القرار، لذلك فإن القرارات الإدارية، لا تقوم في غياب التوقيع عليها من الشخص المختص [10]''
و بالتالي يفترض في القرار الإداري تذييله بتوقيع الجهة التي أصدرته ، فالتوقيع في القرار الإداري يعتبر من ضمن الأشكال الجوهرية التي يؤدي تخلفها إلى بطلان القرار الإداري حتى و إن لم ينص القانون على ذلك ، فبعدم وجود التوقيع ينتفي وجود القرار و هذا ما يظهر أهمية التوقيع و قد جاء حكم المحكمة الإدارية بأكادير مؤكدا على هذه الأهمية في قضية أحمد مرحبا ضد رئيس مجلس الوصاية و من معه:
...و حيث يتبين من الإطلاع على قرار مجلس الوصاية الطعين و الصادر بتاريخ 11-09-1996 أنه لم يتضمن أسماء و توقيعات جميع أعضاء المجلس و الذي يعتبر من الشكليات الجوهرية التي يترتب على تخلفها بطلان القرار ،طبقا لما تنص عليه المادة 12 من ظهير 27/04/1919.
و حيث إن هذا السبب يغني عن بقية أسباب الطعن المعتمدة من طرف الطاعن.
و تطبيقا لقانون 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية ، و ظهير 27/04/1919 المنظم لأراضي الجموع ، وقانون المسطرة المدنية...حكمت المحكمة الإدارية...بعدم قبول الطعن ...و بإلغاء قرار مجلس الوصاية الصادر بتاريخ 11-09-1996 في القضية عدد 145-90 مع ما يترتب على ذلك قانونا .[11]
الفقرة الثالثة : التبليغ و النشر
تكون الإدارة ملزمة بتبليغ الأشخاص المعنيين بالقرارات التي عملت على إصدارها و ذلك لضمان المشروعية. و هذه الوسيلة أي التبليغ هي الطريقة الواجب اتباعها في القرارات الفردية و ذلك ضمانا لتنفيذ القرارات الإدارية.
و يتم التبليغ بعدة طرق كتسليم المعني بلأمر نسخة من القرار بتوقيعه بعد الإستلام، أو بإرسال خطاب أو بالبريد المضمون.
و بما أنه لا يمكن الإحتجاج بالقرار الإداري إلا إذا تم تبليغه أو إعلانه فيتوجب في تبليغ القرار الإداري أن يكون مستوفيا لكل المحتويات التي صدر بها، و الإدارة في هذه الشأن تتمتع بالسلطة التقديرية في اختيار الوسيلة المناسبة لتبليغ قراراتها إلا إذا ألزمها القانون بتبليغ القرار الإداري بوسيلة محددة، ففي هذه الحالة تكون الإدارة ملزمة بالتقيد بما ينص عليه المشرع.
و قد أكدت المحكمة الإدارية بمراكش في حكمها الصادر بتاريخ1999/4/14 الذي بين فيه شروط التبليغ :'' حيث إن العمل و الإجتهاد القضائيين استقرا على أنه إذا وقع التبليغ بالبريد المضمون فإنه لا يعتبر تبليغا صحيحا إلا إذا أرفق بشهادة الإشعار بالتسلم فعلا موقعا عليها من طرف المرسل إليه، و أن التوصل بالإنذارلا يمكن قبوله إلا إذا كان معززا بشهادة التسليم ممضاة من طرف المعني بالأمر، و ذهب العمل القضائي بخصوص ضرورة وقوع التبليغ الصحيح إلى حد أن الإدارة ملزمة به بمقر عمل المعني بالأمر في حالة تغيير مقر سكناه و بالإلتجاء إلى طرق التبليغ القانونية الأخرى...و حيث بناء عليه فإن التبليغ الذي تتمسك به الإدارة يعتبر تبليغا لاغيا مادام لم يتم بمقتضى إشعار بالتسلم موقعا عليه من طرف المعني بالأمر ''.
و يقضي المنطق في كل هذه الأمور أن يكون التبليغ كتابيا بالنظر إلى صعوبة التبليغ الشفهي، و مع ذلك فقد سبق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أن اعتبرت بأنه "يشكل تبليغا صحيحا يبتدئ به أجل الطعن بالإلغاء للشطط ،التبليغ الذي يتم شفويا للموظف بواسطة رئيسه المباشر فيمايخص محتوى القرار المبلغ أو الجهة التي صدر عنها.[12]
كما أن النشر لا يمكن أن يقوم مقام التبليغ حيث يتبين صعوبة إثبات الإدارة للتبليغ وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية في قرار لها بتاريخ28 غشت 1981
وتحقيقا لمصلحة المواطنين فيمكن لشخص صدر لصالحه قرار إداري أن يطالب بالإستفادة من امتيازاته و لو لم يبلغ إليه ، و لكن على العكس لايمكن أن يفرض عليه التزام بقرار صادر لم يبلغ إليه.[13]
و يقصد بالنشر الإعلام بصدور القرار الإداري حتى يحتج به على الكافة . ويتم اتباع هذه الوسيلة في العادة بالنسبة للمراسيم و القرارات التنظيمية. "باعتبارها تشتمل على قواعد عامة و موضوعية تنطبق على أشخاص غير معنيين بصفاتهم و لا بذواتهم".[14]
و بالتالي فإن وسيلة الإعلان لا يمكن اعتمادها في القرارات الفردية وقد قضت الغرفة الإدارية بأنه إذا كان القرار الإداري يعني عددا محدودا من الأفراد تعرف هويتهم فإن النشر لا يصلح للإحتجاج عليه و لا بد من التبليغ ، كما أن النشر يمكن أن يتم بأي وسيلة من وسائل الإعلام المرئية و السمعية أو المكتوبة و غيرها من الوسائل التي تمكن من علم الأفراد بالقرارات الإدارية.
و لا يكون النشر بهذه الوسائل أو غيرها إلا إذا لم يلزم المشرع الإدارة النشر في الجريدة الرسمية.
و من حق الإدارة الإكتفاء بالنشر إذا لم يمكن بإمكانها معرفة المخاطبين بقراراتها أو في حالة مخاطبة القرار لمجموعة كبيرة من المعنيين بأمره.[15]
كما جاء في المادة 23 من قانون إحداث المحاكم الإدارية على أنه: ''يجب أن تقدم طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل 60 يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر ..'.
و بناء على الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية و المادة 23 من قانون المحاكم الإدارية ،فإن دعوى الإلغاء يمكن رفعها أمام الجهة القضائية المختصة خلال 60 يوما من تاريخ نشر أو تبليغ القرار المطعون فيه أو من تاريخ العلم اليقيني به كما سار على ذلك الإجتهاد القضائي.
و قد جاء في قرار للمجلس الأعلى بأن العلم اليقيني بالقرار الإداري يقوم مقام تبليغه.[16]
و هذا ما أكده حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي جاء فيه: ...و حيث إن العلم اليقيني يقوم مقام النشر و التبليغ متى كان واضحا ونافيا للجهالة و أمكن للمحكمة استخلاصه من قرائن ووثائق الملف.
و يقصد بالعلم اليقيني إثبات الإدارة بشكل يقيني و قاطع غير افتراضي علم الأفراد بصدور القرار الإداري و بمحتوياته , فعلى سبيل المثال عند قيام المعني بالأمر بتقديم تظلم كتابي للإدارة ضد القرار الذي أصدرته فهذا التظلم يعتبر دليلا قاطعا على علم المعني بالأمر بصدور القرار.

المطلب الثاني : القواعد الشكلية الثانوية

يقصد بالشكليات الثانوية تلك الشكليات التي لا تعيب القرار ولا تؤدي إلى إلغائه، حيث يتحقق هذا المفهوم في حالة ما إذا كان الشكل غير مؤثر على مضمون القرار، بمعنى أن تنفيذ الشكل أوإغفاله لن يؤثر على مضمون القرار بمعنى أن تنفيذ الشكل أو إغفاله لن يؤثر على إصدار القرار بمعنى أن تنفيد الشكل أوإغفاله لن يؤثر على إصدار القرار أو على محتواه. فماهي إذن تلك الشكليات التي تؤثر في القرار الإداري؟

الفقرة الاولى : الكتابة 

الاصل أنه ليس هناك شكل معين تلتزم الادارة بأن يصدر القرار الإداري فيه فحسب الفقيه yves gaudement فإن القرار الإداري يمكن أن يكون مكتوبا كما يمكن أن يكون شفويا .
((L’acte administratif peut être verbal et le recours pour excès de pouvoir et recevable contre un acte de cette forme))[17].
فشرط الكتابة لايعتبر ركنا ولا شرطا لصحة القرار الإداري إلا إدا نص القانون على غيردلك صراحة[18]. فالكتابة هي الشكل الصريح المعتمد عادة من طرف الإدارة كما يعتبر شكل القرار متطلبا إذا أوجب القانون نشر القرار الإداري في الجريدة الرسمية.
وكقاعدة عامة تبقى للإدارة الحرية في إختيار الشكل المناسب للقرار الإداري ولايمكن للقضاء أن يفرض على الإدرة كتابة قرارها الشفوي ما عدا إذا نص القانون خلاف ذلك[19].
وهذا ما أكدت المحكمة الإدارية بالرباط "إذا نص القانون صراحة على ضرورة إصدار بعض القرارات الإدارية بشكل معين بالذات فإن الإدارة في هذه الحالة تنتفي سلطتها التقديرية في إختيار الشكل وتصير ملزمة باتباع الشكل الذي حدده القانون دون غيره من الأشكال وفي حالة العكس فإن قرارها يصبح قابلا للإلغاء لمخالفة الشكل القانوني الواجب إحترامه[20].
ومعلوم أنه كما تصدر عن الإدارة قرارات إيجابية أي صريحة يمكن أن تصدر عنها قرارات سلبية عن طريق صمتها أو سكوتها لمدة 60 يوما كقاعدة ،حيث إعتبر القانون سكوت الإدارة خلال هذه المدة المحددة بمتابة قرارضمني برفض أو قبول طلبات الأفراد حسب ما إذا كنا بصدد تظلم أو تقديم إستقالة [21].
وهذا ما اكدت عليه المادة 23 من قانون إحداث المحاكم الإدارية وكذا المجلس الأعلى في أحد أحكامه الصادرة في 9 أبريل 1987 في قضية مريم الباز ضد وزير الداخلية والتي جاء فيها ((كما أنه من التابث من أوراق الملف أن الطاعنة وجهة تظلما إستعطافيا ضد وزير الداخلية في هذا الشأن فبقي بدون جواب، الشيء الذي يدل صراحة على موقف الإدارة الضمني بالرفض وبالتالي يثبت وجود مقرر إداري ضمني قابل للطعن بالإلغاء )).
وتظهر أهمية الكتابة في القرار الإداري في كونها تسمح للمعني بالقرار بالإطلاع على مضمون القرار مباشرة . وهذا ما أكد عليه الفصل 355 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثالتة ((يكون مقال الدعوى تحت طائلة عدم القبول مرفقا بنسخة من الحكم النهائي أو المقرر الإداري المطعون فيه بصبغة الكتابية تسمح للمعني بالأمر بالإضطلاع على مضمون القرار )).

الفقرة الثانية: التاريخ

في إطار التمييز بين الشكليات الجوهرية و الشكليات الثانوية: لم يعتبر القضاء المغربي وكذا نظيره الفرنسي شكلية التاريخ في القرار الإداري شكلية جوهرية يؤدي إغفالها إلى بطلان القرارإلا إذا اقتضت الضرورة ذلك. وذلك حسب كل قرار إداري.
حيث ألغت المحكمة الإدارية بمراكش القرار الصادر عن السيد الوالي القاضي بهدم بناء منزل الطاعن داخل أجل لايتعدى 15 يوما من تاريخه دون أن يتضمن القرار أي تاريخ ومن الملاحظ أن هذا الأجل يتعذر احتسابه.
كما أن إغفال ذكر تاريخ إصدار القرار الإداري لايعيب شكل هذا الأخير. وبالتالي لايؤثر على صحة القرار. إلا أن هذا لاينقص من أهمية ذكر التاريخ في القرار الإداري.
حيث تكمن فاعلية شكلية التاريخ في التأكد من صحة الوقائع المادية للقرار الإداري وضبط النطاق الزمني المشروع لاختصاص السلطة الإدارية. وهذا ما أكد عليه مجلس الدولة الفرنسي في أحد أحكامه "إن القرار الصادر بتاريخ 11 فبراير من أجل تنفيذه في8 أبريل و الذي لاتبرره أية مصلحة للإدارة هو تعيين غير شرعي[22].
كما تجدرالإشارة إلى أنه في غياب المقتضيات التشريعية المتعلقة بشكلية التاريخ. فإن القاضي الإداري بالنظرإلى فاعليتها، تمكن من مراقبة مدى احترام السلطة الإدارية لهذه الشكلية[23].
وعلى العموم تبقى شكلية التاريخ الشكليات التي لايترتب على أغفالها إلغاء القرار الإداري.

الفقرة الثالتة : التأشيرة

يقصد بالتأشيرة تلك البيانات الشكلية التي تذكر في القرار الإداري المكتوب ومعنى ذلك الإشارة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية التي تطبقها الإدارات عند إصدارها للقرار.
بقوله : yves gaudement وهذا ما أكد عليه الفقيه ((L’acte administratif comporte normalement les visas des textes l’gestatif et réglementaires sur lesquels il s’appuie)).
ومما لاشك فيه أن التأشيرة ليست شرطا ووجوبا لصحة القرار الإداري شكلا .فهي ليست إلا شكلا إختياريا وبالتالي عدم دقتها او حتى عدم ذكرها لايؤثر على المشروعية القانونية للقرار ،ومن ناحية أخرى إعتبرها الإجتهاد الإداري ليست من المخالفات الجوهرية.
فإذا كانت الإشارة إلى أسانيد الحكم القضائي تكون شكلا ضروريا لصحة ومشروعية الحكم القضائي إلا أن هذه الإشارات ليست شرطا لصحة القرار الإدري.
ورغم ذلك فإن للتأشيرة أهمية بالغة تتمثل في كونها ذات خاصية بيانية وإرشادية لتسهيل الرقابة سواء الذاتية للإدرة أو الرقابة القضائية في حالة المنازعة في مشروعية القرار الإداري بالإضافة إلى إعتبارها وسيلة لإحاطة الأفراد بالأسباب القانونية للقرار الإداري.
وفي هذا الخصوص إعتبر مجلس الدولة الفرنسي((إن ذلك التعليل كان كافيا لأن الإدارة حددة العناصر القانونية في القرار للإشارة إلى المادة 12 من مدونة الخدمة العسكرية[24] )).
وفي الأخير لابد للإشارة أنه حسب بعض الفقهاء فالتأشيرة هي جزء لايتجزء من التعليل ومن تم تخضع للنظام القانوني للتعليل.

المبحث الثاني : حالات عدم تأثر صحة القرار الإداري بتخلف قواعد الشكل

الأصل على نحو ما سبق إيضاحه فان افتقاد القرار الإداري لشكل ما استوجب القانون توافره يؤدي إلى بطلانه،إلا أن إعمال هذا المبدأ على إطلاقه من شأنه عدم تمكين الإدارة من أداء دورها على نحو ما ينبغي.
و تتمثل تلك الحالات في قيام ظروف استثنائية تحول دون استيفائه أو تنازل صاحب الشأن عن استيفاء اللاحق للشكل المقرر لمصلحته أو استحالة إتمام الشكليات أو تحقق الغرض منه. كما أن القرار الإداري يعد صحيحا رغم تخلف شكل تطلب القانون ضرورة توافره فيه، متى كان هذا الشكل مقرر لمصلحة الإدارة متخذة القرار[25].

المطلب الأول: الشكليات الثانوية و الشكليات المقررة لمصلحة الإدارة

الفقرة الأولى: الشكليات الثانوية

إذا كانت الإدارة قد قامت بإتمام الإجراءات القانونية ، و لكن خالفتها جزئيا فان مجلس الدولة يتغاضى عن هذه المخالفة إذا ثبت أنها لم تؤثر في القرار من حيث الموضوع أو لم تنقص من ضمانات الأفراد[26].وهذه الأشكال لا يقصد المشرع من النص عليها إلزام الإدارة باحترامها ،وإنما قصده من ذلك مجرد توجيهها و هي بصدد إصدار القرارباتباع مسلك معين ، مع ترك مطلق الحرية لها في مخالفتها حيث لا يؤثر ذلك على فحوى القرار[27].
و من الأمثلة على ذلك ،حكم مجلس الدولة.
حكمه الصادر في 11 يناير سنة 1904 و الذي يقول،” إذا كان المجلس العسكري قد ناقش المدعى مناقشة مستفيضة،كما ناقش الشهود أيضا فمن ثم لم يكن هناك من حاجة إلى تسليمه خلاصة البيانات المراد تقديمها،فقد كان على علم تام بها،و معرفة تامة بما أسفرت عنه،هذا فضلا عن أن المجلس العسكري أعاد مناقشة الشهود الذين سمعوا أمام مجلس التحقيق بحضور المدعي و محاميه،و كانت أمامه فسحة لمناقشتهم و تفنيد أقوالهم،وما قصد المشرع من تسليم البيانات للضابط إلا ليكون على بصيرة بما اتخد في غيابه ، و ما قيل في شأنه كما يتمكن من تحضير و إبداء دفاعه على ضوئها،و من ثم تكون الإجراءات التي اتبعت حياله سليمة لا مطعن عليها[28].
و من الأشكال التي اعتبرالقضاء أنها ثانوية و من ثم لا تأثير لها على مشروعية القرار ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية من انه لا يعيب قرار الجزاء صدوره دون سماع أقوال احد الشهود متى كانت تلك الشهادة غير مؤثرة في نتيجة التحقيق.كما ذهبت إلى أن عدم إتباع إجراءات نشر القرار في الجريدة الرسمية لا يبطله ،لان غاية النشر إعلام صاحب الشأن به و قد تحققت تلك الغاية بالعلم اليقيني بالقرار و من ثم يكون إجراء النشر ثانويا لا يؤثر في صحة القرار[29].
و من استقراء أحكام القضاء الإداري استقر الفقه على أن الإجراء أو الشكل الذي يستلزمه القانون يكون جوهريا في الحالات التالية:
1)إذا وصفه القانون صراحة بأنه جوهري أو ما يفيد ذلك.
2)إذا رتب القانون البطلان كجزاء على مخالفة الشكل أو الإجراء.
3)إذا كان الإجراء أو الشكل جوهريا في ذاته أو بطبيعته و هو ما يتحقق في الحالات التالية:
أ-إذا كان من شأن الشكل التأثير على مسلك الإدارة و هي تحدد مضمون القرار.
ب-إذا كان الشكل مقرر لحماية مصالح المخاطبين بأحكام القرار.
ج-إذا كان من شأن الشكل التأثير على ضمانات الأفراد تجاه الإدارة.
و من ثم يمكننا القول بأن الشكل في القرار الإداري يكون ثانويا متى لم ينص القانون على ضرورة إتباعه و لم يقرر البطلان جزاء اعفال ذلك ،إضافة إلى عدم تعلق الشكل بضمانة مقره لمصلحة الأفراد أي لم يكن من شأن تخلفه تفويت المصلحة التي عني القانون بتأمينها[30].

الفقرة الثانية: الشكليات المقررة لمصلحة الإدارة 

فإذا كانت القاعدة أن الشكليات مقررة لمصلحة الأفراد و الإدارة على السواء،فقد لاحظ مجلس الدولة الفرنسي أن منها ما هو مقرر لمصلحة الإدارة و حدها،و بالتالي لا يسمح للأفراد بأن يستندوا إليها للتوصل إلى إلغاء القرارات الإدارية ،و من الأمثلة على ذلك حكمه الصادر في 21 فبراير 1919في قضية " Faure " فقد تطوع عن طريق التمسك ببطلانه استنادا إلى آن التطوع قد قبل دون إجراء الكشف الطبي عليه. فلم يقبل مجلس الدولة الفرنسي وجهة النظر هذه إستنادا إلى أن هذه الشكلية إنما قررت لمصلحة الجيش، و بالتالي يكون لوزير الحربية وحده التمسك بها.
و في 24 أكتوبرمن نفس العام،أصدر حكما أخر في قضية " bon voisin " مبني على الفكرة السابقة،ذلك أن المشرع يخول وزير الحربية التدخل لتحديد خطوط التنظيم في الأماكن العسكرية و قد أهملت هذه الشكلية في بعض الحالات. فأراد أحد الأفراد الإستناد إليها توصلا إلى إلغاء القرار الإداري فرفض المجلس أيضا لأن الإجراء شرعه لمصلحة الجيش، فليس للأفراد أن يتمسكوا به[31].
و يمكن القول بأنه لا يجوز لصاحب الشأن التمسك بتخلف شكل قرره المشرع لمصلحة الإدارة توصلا إلى إلغاء القرار الإداري الصادر في شأنه، و الحكمة من ذلك أن تخلف هذا الشكل لا يمس ضمانة كفلها له المشرع. بل إن الأمر يتعلق بملاءمات إدارية للإدارة و حدها حق تقديرها.
و تأكيذا لهذا المبدأ ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أنه "للعميد اتخاذ الإجراءات الاحتياطية ضد الطالب في حالة تلبسه بجريمة الغش في الامتحان. فلا يترتب على ذلك بطلان الإجراءات لأنها لم تشرع كضمانة من ضمانات التحقيق،بل لإجراء تحفظي ضد الطالب[32].
و قد جاء هذا الحكم بخصوص تطبيق المادة 43 من لائحة النظام الدراسي التأديبي لطلاب الجامعات و التي تعطي عميد الكلية أو مدير المعهد المستقل حق إخراج الطالب المتلبس بالغش من الامتحانات و حرمانه من دخول باقي المواد،فإذا لم يقم العميد بإخراج هذا الطالب من الامتحانات فور ضبطه متلبسا بالغش وتركه لحين الإنتهاء من التحقيق معه مراعاة لجانبه. فهذا لا يعطي الطالب حق الطعن على القرار الصادر شأنه لعدم مراعاته الإجراء المنصوص عليه لمادة 43. حيت أن الشكل الذي خولف ليس إحدى ضمانات التحقيق التي يهدد تخلفها مصلحة الطالب، بل شرع هذا الإجراء لمصلحة الإدارة باعتباره إجراء تحفظي.
و تأكيدا لذلك ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن عدم إخطار النيابة الإدارية للوزير المختص قبل إجراء التحقيق مع الموظف طبقا للمادة الثالثة من القانون رقم 117 سنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية و المحاكمات التأديبية لا يترتب عليه بطلان التحقيق تأسيسا على أن الإخطار و الحالة هذه يكون قد شرع لمصلحة الإدارة و حدها تمكينا لها من متابعة تصرفات العاملين فيها بما يحقق الصالح العام.
و على صحة التحقيق رغم أنه تم دون إخطار الوزير الذي يتبع العامل المحال للتحقيق في وزارته لأنه لا يترتب على الإخلال بهذا الإجراء اخلال بالضمانات التأديبية التي يتعين كفالتها،و إنما الإخطار هنا لا يعدو أن يكون إجراءا تنظيميا قصد به إحاطة الوزير علما بما يدور في وزارته و لا يملك الوزير رفض إجراء التحقيق بعد إخطاره به[33].
و يمكن القول في نهاية هذه الفقرة انه في ظل غياب معيار للتمييز بين ما يعد من الأشكال أو الإجراءات المقررة لمصلحة الأفراد و بين ما يعد مقرر لمصلحة الإدارة، فقد واجه التمييز في الأثر المترتب على تخلف أي منهما بحق انتقادا فقهيا أساسه أن الإجراءات الإدارية الهدف من تقريرها حماية الصالح العام و ليس لصالح الإدارة و حدها أو الأفراد وحدهم،إضافة إلى أن التمييز بين الشكليات مايخالف طبيعة دعوى الإلغاء،باعتبارها دعوى عينية موجهة ضد القرار ذاته،بغض النظر عن مصلحة الخصوم في تلك الدعوى34.

المطلب الثاني : حالات تغطية عيب الشكل 

سبق لنا أن رأينا أن إغفال الشكل الجوهري في القرار الإداري يؤدي إلى بطلانه وجعله عرضة للطعن بالإلغاء ، إلا أنه وفي حالات إستثنائية محددة درج القضاء المقارن على القول بأنه يمكن تلافي إلغاء القرار المعيب بعيب الشكل الجوهري ودلك بإتباع أربع وسائل يمكن من خلاله تغطية هذا العيب و التي تتجلى في إستحالة إتمام الشكليات و الظروف الإستثنائية ( الفقرة الأولى) ،و الإستيفاء اللاحق للشكل و قبول صاحب الشأن أو المعني بالقرار ( الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى : إستحالة إتمام الشكليات و الظروف الإستثنائية 

1 – إستحالة إتمام الشكليات :
إتجه القضاء الإداري في فرنسا و مصر إلى القول بأنه إذا إستحال على الإدارة إتمام الشكل الذي يتطلبه القانون لإصدار القرار ، فإنه يمكن التجاوز عن هذا الشكل بحيث لا يعيب تخلفه القرار الإداري حيث تعتبر الإستحالة مبرر تغطية عيب الشكل في هذه الحالة[34] . وقد يرجع عدم تمكن الإدارة من إتمام الشكل إلى الإستحالة المادية الفعلية نتيجة القوة القاهرة مثلا أو فعل الغير أو فعل المخاطب بالقرار ، و قد يرجع ذلك إلى إستحالة قانونية نتيجة لظروف إستثنائية و قيام حالة الضرورة ،و بالتالي فالإستحالة التي تجوز فيها الإدارة أن تتحلل من الشكلية التي يفرضها القانون هي الإستحالة المادية الطويلة ، أما الإستحالة العارضة أو المؤقتة لا تكفي لتبربر إغفال الإدارة للأشكال الواجب إتباعها. ومن أمثلة الإستحالة المادية المانعة من إتمام الشكليات ما قرره مجلس الدولة الفرنسي في رفض طلب إلغاء قرار صادر من مجلس تأديبي إستنادا إلى أن ذلك المجلس لم يشكل على النحو المقرر قانونا لأنه ثبت إستحالة تكوينه على هذا الشكل ، و في قضية أخرى لم يبلغ قرار الفصل الصادر دون سماع دفاع الموظف كان قد غادر مقره دون أن يترك عنوانه و كان من المستحيل الإستدلال على ذلك العنوان[35]. و نشير في الأخير إلى أن حالة الإستحالة في إتمام الشكل فقد ذهب بعض الفقه إلى أن جواز تدارك الشكل الناقص مشروطا بألا يكون من شأن هذا التدارك التأثير بصورة ما في مضمون القرار الإداري أو ملائمة إصداره[36] . و قد رفض البعض الأخر من الفقه فكرة التصحيح اللاحق.
2- الظروف الإستثنائية :
تكون الإدارة مضطرة أحيانا إلى إغفال الشكليات الواجب مراعاتها قانونا تحت ضغط الظروف الإستثنائية.
ومن سمات نظرية الظروف الإستثنائية تأثيرها المباشر على مبدأ المشروعية فتوسع من نطاقه ليصبح أكثر مرونة و تلائما معها ، فما يخرج من أعمال الإدارة عن إطار المشروعية في الظروف العادية يعد مشروعا في ظل الظروف الإستثنائية حيث يمتد أثرها ليشمل مجال الشكل و الإجراءات في القرارات الإدارية ، فقد تكون الإدارة مضطرة تحت وطأة هذه الظروف الخاصة الحساسة إلى إغفال بعض الشكليات التي لم تتمكن إستيفائها بتأثير من الظروف الطارئة ، فإذا ما أغفلتها الإدارة تعتبر قراراتها صحيحة مع ما شابها من قصور شكلي كان بوسعه إبطالها إذا ما وقع في ظروف عادية [37] . إلا أنه يشترط لتطبيق حالة الظروف الإستثنائية الذي يعتبر مبررا للإدارة بعدم إتباع إجراءات الشكل لإصدار القرارات الإدارية أن يكون هناك ظرف إستثنائي يهدد النظام العام و حسن سير المرافق العامة ، سواء تمثل هذا الظرف بقيام حرب أو إضطرابات أو كوارث طبيعية تعجز الإدارة عن أداء وظيفتها بإستخدام سلطاتها في الظروف العادية ، فتلجأ لإستخدام سلطاتها الإستثنائية التي توفرها هذه النظرية في مدة الظرف الإستثنائي فقط. ففي وقت الحرب مثلا سلم القضاء السلطة الإدارية أن تفوض سلطاتها ولا سيما من ناحية إستعمال الشكليات و الإجراءات الإدارية في غياب كل مقتضى تشريعي أو تنظيمي يبيح لها مثل هذا التفويض ، كما أعفاها من إحترام الشكليات التي تتبع عادة في العادية حيث سلم للإدارة بإلغاء المقتضيات الخاصة بالضمانات التأديبية[38] . كالقرار الصادر بإيقاف أحد الموظفين دون الإستماع إلى أقوال أو إبداء دفاعه.

الفقرة الثانية : الإيستيفاء اللاحق للشكل وقبول صاحب الشأن ( المعني بالقرار) 

1 -الإيستيفاء اللاحق للشكل :
المبدأ المقرر في هذا الصدد ، أنه لا يجوز للإدارة تصحيح القرار الإداري بأثر رجعي ، فالقرار الذي أهمل الشكليات في إصداره قرار معيبا ولتصحيحه لا بد من إيستيفاء الشكليات. و الإجراءات إبتداء بإصدار قرار جديد ،و لكن هناك إستثناء من هذا الأصل أجاز مجلس الدولة الفرنسي في إتمام الشكلية، إذا كان إهمالها يرجع إلى خطأ مادي لا أثر له على صحة القرار إطلاقا ، و مثال ذلك أن يحضر أحد الأعضاء مجلسا هو عضو فيه ويسجل حضوره و مناقشاته في المجلس ، ولكنه يغفل التوقيع على محضر الجلسة عقب إنتهائها ، فإن توقيعه عليه فيما بعد لا يبطل القرار.
2- قبول صاحب الشأن :
رفض جانب من الفقه قبول صاحب الشأن المعني بالقرار كأسلوب لتصحيح القرار الإداري لأن رغم ما شابه من عيب في الشكل حتى ولو كان هذا الشكل قد تقرر لمصلحته ، حيث أن الشكل مقرر لصالح الأفراد و المصلحة العامة معا، و من ثم فلا تأثير لتنازل صاحب الشأن عن الشكل الذي قرره القانون لمصلحته على صحة القرار الإداري و الذي يظل قرارا باطلا رغم هذا التنازل.
بينما هناك رأي فقهي اخر يقول بجواز تصحيح القرار المشوب بعيب الشكل إذا كان هذا الشكل مقررلمصلحة المخاطب بالقرار في حالة تنازله عنه بصورة صريحة وواضحة برضائه مع إدراك لوجود هذا العيب الشكلي للقرار و للنتائج و الأثار الناجمة عن عدم إيستيفائه ، إلا أن هذا الرأي وضع قيودا لصحة القرار المشوب بعيب الشكل إذا ما تنازل عن التمسك به صاحب الشأن تتمثل في ألا يكون الشكل المقرر من النظام العام و ألا يكون شكلا جوهريا إضافة إلا أنه يتعين ألا يكون المشرع قد قرر البطلان جزاء لعدم إتباعه.[39]

خاتمة
إذن من خلال الإطلاع على العناصر الشكلية للقرار الإداري و على الآثار المترتبة عليها ،يتضح أن الفقه و القضاء و التشريع لا يولي أهمية لهذه العناصر و يعطي للإدارة الحرية في تعبير عن إرادتها في صلب القرار إلا أن هذه العناصر لها فاعلية في تحديد مدى مشروعية القرارات الإدارية و في وصف العمل الإداري بالشفافية فشكل القرار الإداري هو المراة التي تظهر من خلالها الإدارة الحقيقية للإدارة فجميع العناصر المكونة للمظهر الخارجي للقرار لها أهميتها و فاعليتها في تجنب المنازعة في شرعية القرار الإداري و إن كنا قد ميزنا عند التطرق لهذه العناصر بين قواعد جوهرية و أخرى ثانوية فان العنصر الثانوي في إطار المسطرة الإدارية غير التنازعية قد يقوم بدور أكثر فاعلية من العنصر الجوهري و في انتظار أن يقوم المشرع بتقنين هذه القواعد كما فعل مع التعليل يبقى الأمل على القضاء الإداري لإعطاء هذه العناصر قوة إلزامية عن طريق تفسيراته للقواعد الثانوية حتى يكرس الاجتهاد القضائي الذي له ميزة خاصة في القضاء الإداري عنه في القضاء العادي .
فالإدارة أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى مطالبة بمراعاة القواعد الشكلية و الإجرائية التي يفرضها القانون حتى لا تفتقد قراراتها المشروعية و تصبح عرضة للطعن بالإلغاء.
________________________
الهوامش :
[1] - دكتور سليمان محمد الطماوي : القضاء الإداري/ الكتاب الأول : قضاء الإلغاء/ دار الفكر العربي سنة 1976 ص 677
[2] - دكتورة ثورية لعيوني : القضاء الإداري و رقابته على أعمال الإدارة - دراسة مقارنة – دار النشر الجسور- وجدة- الطبعة الأولى سنة 2005 ص 150 و ما يليها
[3] - د أحمد مصطفى الدايداموني : الإجراءات و الأشكال في القرار الإداري- الطبعة الثالثة- القاهرة 1996 ص244
[4] - د سليمان محمد الطماوي : النظرية العامة للقرارات الإدارية- دراسة مقارنة- الطبعة 3–1996 دار الفكر العربي القاهرة ص 795
[5] د.محمد سليمان الطماوي.النظرية العامة للقرارات الإدارية.دراسة مقارنة1957 ص 172
[6] منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية. سلسلة الشروح و الدلائل.العدد3.2004.ص:42
[7] المحكمة الإدارية بوجدة.حكم 1997-18-06.المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية.العدد 23 ص127
[8] دة.ثورية لعيوني.القضاء للإداري و رقابته على أعمال الإدارة. دراسة مقارنة.الطبعة الأولى 2005.ص 166
[9] الفصل 22 من ظهير رقم1/76/583 بتاريخ 20 شتنبر1976.ج.ر.عدد3335 بتاريخ 1976/10/1.ص3025
[10] عن رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص.
r.houstiou procédures et formes de l'acte administratie unilateral; p.199.
[11] حكم عدد 62 بتاريخ 2007/06/07 المجلة المغربية للإدارة المحلية.ص 213.
[12] دة مليكة الصروخ.القانون الإداري .ط 2006.
[13] د عبد القادر باينة .القرارات الإدارية للنشاط الإداري.مطبعة المعارف الجديدة.الرباط.ط2006
[14] د. أحمد أجعون.التشاط الإداري.ط 2013-2012.ص 80
[15] د مليكة الصروخ مرجع سابق
[16] قرار مجلس الأعلى رقم104 بتاريخ14/04/1991
[17] Yves gaudement ;droit administratif ;Tome 1 page :614.
[18]الدكتور محمد عبد الوهاب ,الكتاب الثاني ص:129
[19] الدكتورة مليكة الصروخ,القانون الإداري,دراسة مقارنة ,الطبعة السابعة 2013.
[20] الدكتور أحمد أجعون,طبعة 2012-2013 ص:75.
[21] الدكتورة ثورية العيوني,القضاء الإداري دراسة مقارنة,ص,165 .
(22): المحكمة الإدارية بمراكش رقم 12 بتاريخ 31-01-2001 ملف رقم 136-2000 غ.م.
(23): رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص: القرار الإداري قواعده الشكلية والإجرائية كضمانة لمشروعيته. ص 58.
[24] مؤخود من رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص,موضوع الرسالة القرار الإداري قواعده الشكلية والإجرائية كضمانة لمشروعيته سنة 2010,ص:50.
[25] الدكتور عبد العزيز عبد المنعم خليفة "القرارات الإدارية في الفقه و قضاء مجلس الدولة""منشاة المعارف بالإسكندرية طبعة 2007-ص107
27 سليمان الطماوي"النظرية العامة للقرارات الإداري-دراسة مقارنة ص 195
[28] الدكتور عبد العزيز عبد المنعم خليفة"الموسوعة الإدارية الشاملة في إلغاء القرار الإداري و تأديب الموظف " الجزء الأول أسباب و شروط قبول دعوى الإلغاء القرار الإداري منشاة المعارف الإسكندرية طبعة 2008 ص 135
[29] -الدكتور عبد العزيز عبد المنعم خليفة مرجع سابق ص 136
[30] عبد العزيز عبد المنعم خليفة "مرجع سابق"ص:104.
[31] مجموعة الأحكام التي أوردها الدكتور سليمان الطماوي ص 193
[32] الدكتور عبد العزيز عبد المنعم خليفة مرجع سابق ص 137
[33] الدكتور عبد العزيز عبد المنعم خليفة مرجع سابق ص 121.
[34] - الدكتور سليمان الطماوي مرجع سابق ص .194
[35] - د سليمان محمد الطماوي : مرجع سابق ص 197
[36] - د عبد العزيز عبد المنعم خليفة : مرجع سابق ص 152
[37] - د عبد العزيز عبد المنعم خليفة : مرجع سابق ص 138
[38] - إدريس الحلابي الكتاني : التطور القضائي لمبدأ حقوق الدفاع – المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية – سلسلة مواضيع الساعة عدد 17 سنة 1998
[39] - د عبد المنعم عبد العزيز خليفة : مرجع سابق ص 111
تعليقات