عرض بعنوان: الحماية الإجتماعية لعمال وعاملات المنازل PDF
مقدمة:
إن هدف كل دولة اليوم كيفما كان شكلها القانوني وطبيعة نظامها ، من وراء سياساتها المختلفة، هو تحقيق التنمية، التي أصبح حصرها في نطاق معين، أمرا صعبا، لتعدد مجالات استعمالاتها، فبعدما كانت التنمية الاقتصادية هي رهان الدولة، تبين أن هذه الأخيرة لا محل للحديث عنها، إن لم تتمكن من تحقيق تنمية اجتماعية، لأن هذه الأخيرة عجلة الأولى.
فتحقيق التنمية الاجتماعية، رهين اليوم بمراعاة ظروف عمل الفئات الاجتماعية العاملة في القطاع الخاص، وتمكين استفادتها من حماية اجتماعية فعالة، والعمل على تمديدها لتشمل فئات اجتماعية أخرى، كانت إلى وقت قريب جدا مهمشة، وينطبق الحديث هنا على العمال الذين يزاولون الخدمة داخل المنازل، والتي أصبحت وضعيتهم بضرورة استفادتهم من هذه الحماية الاجتماعية، لأن هذه الأخيرة أصبحت تعد أهم المكونات التي لا يمكن الاستغناء عنها في تركيبة العدالة الاجتماعية، فهى كانت ولا زالت في مقدمة الأولويات التي تسعى لها جل المجتمعات الإنسانية باعتبارها آلية تدمج مبادئ المساواة الاجتماعية وحقوق الإنسان، لتحسين الرفاه العام لجميع المواطنين، بمختلف فئاتهم وخاصة منهم فئة الخدم المنزليين.
فوضعية الخدم المنزليين الاجتماعية، أصبحت اليوم حديث العالم، وهو ما دفع المنتظم الدولي إلى التجند لهذه المسألة، ووضع توصيات تنظم هذه المهنة، وتنظم استفادتها من الحماية الاجتماعية.
وتعرف منظمة الشغل الدولية الحماية الاجتماعية بأنها، مجموعة من الإجراءات العمومية أو المنظمة من طرف السلطات العمومية ويمكن أن تكون إجراءات خاصة ذات صبغة، إجبارية ضد الفقر الاجتماعي والخسائر الاقتصادية بينما يراد بالخادمة أو الخادم المنزلي حسب مقتضيات الفصل الأول من القانون 119.12" كل من يقوم بصفة ذاتية واعتيادية مقابل أجر بانجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو الأسرة كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون سواء عند مشغل واحد أو أكثر ".
والملاحظ أن المشرع المغربي قد غير من التسميات، إذ أحل تسمية العاملات أو العمال المنزلين محل تسمية خدم البيوت؟، وهي من حسنات المشرع المغربي، لما كانت تحمله عبارة خدم البيوت من معنى قدحي يمس بكرامة العامل والعاملة المنزلية.
لتكون بالتالى، الحماية الاجتماعية للعمال المنزليين المنزليين، هي مختلف الأليات والإجراءات والتدابير الهادفة إلى حماية العامل المنزلي من مخاطر المرض أو حوادث الشغل والعجز والشيخوخة، وتمكينه من الاستفادة من تعويض كاف لجبر الضرر متى تحققت إحدى تلك المخاطر أو غيرها.
ولقد عرفت علاقات الشغل المنزلية تطورا ملحوظا، فبعد أن كانت قبل الحماية تخضع لقواعد الفقه الإسلامي، والأعراف السائدة في المجتمع المغربي، عرفت في ظل الحماية، صدور نصوص خاصة موزعة بين قانون الالتزامات والعقود الذي ينظم هذه العلاقة في الباب المتعلق بإجارة الخدمة، بحيث كان يكرس مبدا سلطان الإرادة بجعله العقد شريعة المتعاقدين.
و بعد صدور هذا القانون صدرت عدة قوانين خاصة، شكلت ما يمكن تسميته قانون العمل المنزلي القديم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
• القانون المنظم للحد الأدنى للأجور لسنة 1936
• القانون المتعلق بالإجازة السنوية لسنة 1946
• و القانون المتعلق بكيفية إنهاء عقود العمل لسنة 1948......إلخ.
هذه القوانين نظمت علاقات العمل بين العمال ومشغليهم، إلا أنها لم تكن تنص بشكل صريح على خضوع فئة عمال المنازل لمقتضياتها، وهذا ما أكدته مدونة الشغلة لسنة 2003 التي نصت في المادة الرابعة على أنه يحدد قانون خاص شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بخدم البيوت التي تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت .
ومند صدور مدونة الشغل الجديدة، والأصوات تتعالى وتطالب بإلحاح بإخراج القانون الخاص بعمال المنازل إلى حيز الوجود، وإنصاف هذه الفئة الهشة الأقل حماية من بين .
مختلف العمال و الأجراء، و لهذا أولت منظمة العمل الدولية كامل عنايتها. و أصدرت بشأنها الاتفاقية رقم 189سنة 2011 وبعد نضال جمعوي ومشاورات عديدة بين الجهات المعنية بإصدار القانون ، صدر أخيرا القانون رقم 19.12، المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، بتاريخ 10 أغسطس 2016 .
و تبرز أهمية الموضوع النظرية في استجابة القانون 19.12 للمواثيق الدولية و الوطنية الرامية إلى حماية حقوق وكرامة الإنسان، أما أهميته العملية فتتجلى في تنظيم العلاقة الشغلية المنزلية في إطار حماية العمال والعاملات المنزليين.
ومن خلال كل سبق ذكره، نتساءل عن طبيعة وحجم الحماية الاجتماعية التي تستفيد منها العمال المنزليين؟ وما محدوديتها؟ وهل بالفعل محاطة بأسيجة وقائية من مخاطر العمل داخل المنزل".
وعموما، يمكن الخروج بإشكال يتناول هذه وغيرها من التساؤلات، كالتالي: إلى أي مدى توفق المشرع المغربي في توفير إطار قانوني حمائي كاف يستجيب لتطلعات هذه الفئة اجتماعيا؟
وعليه سنحاول الإجابة على هذه الإشكالية من خلال التقسيم التالى: