بحث بعنوان: النزاعات المرتبطة بالسكن الوظيفي على ضوء القانون و الإجتهاد القضائي PDF
مقدمة :
إن العنصر البشري في أي مؤسسة كيفما كانت طبيعتها يعتبر مكونا أساسيا في سيرها، ويبقى الاهتمام بهذا العنصر من الأوليات والضمانات الأساسية لتحقيق الأهداف المنشودة في أحسن الظروف وأفضل النتائج وأقصى حد من درجة المردودية، ويظل نجاح المؤسسة الإدارية هدفا في تعزيز دولة المؤسسات التي لا تنفصل عن دولة الحق والقانون في تكامل متناسق يسعى لخدمة الصالح العام ويجعل المواطن أداة فعالة في المساهمة في جعل الصالح العام فوق أي اعتبار وهكذا يدخل دور الإدارة بعنصرها البشري في تحقيق ذلك الهدف.
ويعتبر الموظف كباقي المواطنين معنيا بالبرامج السكنية المنجزة من طرف الدولة والتي تكتسي طابعا عاما، سواء منها البرامج الاقتصادية أو الاجتماعية بهدف حل أزمة السكن، غير أنه اعتبارا لمكانته ووضعيته كأداة هامة لتحقيق أهداف المرفق العام ومن خلاله أهداف الدولة، فهو يوجد في قلب اهتمامات السلطات العمومية، التي يعد السكن الوظيفي أحد أهم مظاهرها.
إن الفكرة التي كانت وراء ظهور مفهوم السكن الوظيفي هي تلك العلاقة الوطيدة بين مردودية الموظف ولاسيما الذي يتحمل إحدى المسؤوليات بالإدارة من جهة وبين توفير مسكن مخصص لإيوائه من جهة أخرى، وذلك على اعتبار أن الموظف غير المسكن أو الذي يسكن في ظروف غير لائقة يكون مردوده المهني متدنيا ودون المستوى المطلوب ".
ومن هنا يأتي السكن الوظيفي كامتياز مقرر لفائدة أعوان الدولة أو الجماعات العمومية سواء بحكم موقعهم السياسي أو المهام الحساسة الموكولة إليهم أو بسبب رنبهم الإدارية، يخولهم الانتفاع بسكن إداري لمدة أقصاها إحالة المعني بالأمر على التقاعد أو في حالات أخرى خاصة، كالانتقال من مدينة إلى أخرى أو تغيير الإطار الوظيفي الذي يزاول فيه العمل".
كما أن هناك فرقا بين السكن الوظيفي والسكن الإداري، ذلك أن السكن الإداري هو كل مسكن مملوك للإدارة وقد يستفيذ منها الموظف العمومي أو الجماعي أو التابع للمؤسسات العمومية وغيره، أما السكن الوظيفي فهو السكن المخصص لفئة من الموظفين العموميين بحكم مسؤوليتهم الإدارية والذين يوجدون في حالة تأهب مستمر حفاظا على السكينة أو الامن أو الصحة أو المال العام .
وقد حدد المشرع المساكن الوظيفية على سبيل الحصر في المساكن المخصصة لأعضاء الحكومة وأعضاء الدواوين الوزارية، والمساكن التي تقع داخل مبنى و مجمع إداري أو تكون جزءا لا يتجزأ من ملحقاته، وكذا المساكن التي يشغلها موظفون سبق لهم أن استفادوا من أحكام الظهير 301—61—1 الصادر بتاريخ 17 يونيو 1963 ومن أحكام المرسوم رقم 695—83—2 المؤرخ في 18 غشت 1983.
فالدولة المغربية في ذلك العهد كانت تتوفر على عدة مساكن وأقرت إعطاء الأفضلية لموظفيها لشغلها عن طريق قواعد قانون الالتزامات والعقود ولاسيما تلك المنظمة للكراء.
إلا انه ومنذ بداية الأربعينات تفاقمت أزمة السكن في المغرب مما أدى إلى فشل سياسة سلطات الحماية في استيعاب تداعيات الأزمة المذكورة.
أمام هذا الوضع وجدت سلطات الحماية نفسها مضطرة إلى التدخل في مجال السكن الوظيفي من خلال إقرار تعويض تمثيلي عن السكن لفائدة فئات مختلفة ، ولتأطير هذه العملية إصدار نص تنظيمي بمثابة النظام الخاص بالموظفين المسكنين يتمثل في القرار الوزيري المؤرخ في 19 شتنبر 111951، ومن أهم ما يمتاز به هذا النص أنه قطع الصلة مع القواعد العامة التي تنظم العلاقة الكرائية المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود.
هذا التحول الكيفي، جعل العلاقة القانونية التي تربط الموظف المسكن بالإدارة، علاقة تخضع لأحكام القانون الإداري عوضا عن قواعد قانون الالتزامات والعقود، كما أن مقابل الانتفاع لا يعد وجيبة كرائية وإنما مجرد إتاوة .
ولاشك أن جعل الموظف المسكن في هذه الوضعية لا يخدم مصلحته أكثر مما يخدم مصلحة الإدارة التي أصبح باستطاعتها في أي وقت وحين استرجاع عقارها من حوزة المستفيد، كما يسهل عليها إيجاد سكن وظيفي لموظفيها في جميع أنحاء المملكة 13 لاسيما في حالة تطبيق سياسة حركية الموظفين .
ومع بداية الاستقلال اتسم نسق تدخل الدولة بخصوص السكن الإداري بكونه لم يختلف كثيرا عن توجهات سلطات الحماية على أساس أن السلطات العمومية بعد الاستقلال وجدت نفسها مجبرة على إتمام البرامج المفتوحة والتي كانت في طور الإنجاز، كما أنها دشنت برامج واسعة أخرى مما ساهم في استمرار تطور هذا النوع 14 من المساكن .
غير أن سياسة الدولة غداة الاستقلال، لئن كانت تستهدف توفير المسكن لأكبر 15 عدد ممكن من الموظفين، فإن هذا التوجه عرف تفاوتا من قطاع لآخر إلا أن ذلك الاهتمام الذي أولته السلطات العمومية لمجال السكن الموجه للكراء خلاله لميدان السكن الإداري ما فتئ يتراجع ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، ومن بحيث أصبح التوجه الجديد للدولة لصالح تشجيع الموظفين على الولوج إلى الملكية، غير أن السكن الإداري استطاع أن يستقل بكيانه بعيدا عن أي تأثير لتداعيات هذا التحول في سياسة الدولة، كما حافظ على مكانته من خلال الاستمرار في تشييد المزيد 16 من الدور الوظيفية وكراء مساكن تابعة للقطاع الخاص لإيواء الموظفين .
إن إسكان الموظفون في المغرب كان يجد تبريره في مبدأ ضرورة المصلحة عكس ما هو عليه الأمر في فرنسا حيث يمكن تبريره بالاستناد إلى ما يصطلح على تسميته بالمنفعة المصلحية، أي أن الإدارة باستطاعتها أن توازي بين حقها في إسكان الموظف والفوائد المتحصل عليها من هذه العملية .
إن المساكن الإدارية لم تحظ بأي اهتمام من لدن رجال القانون، مما جعل الدارس لهذه المادة يجد نفسه أمام فقر في الإنتاجات الفقهية من جهة، وغياب الدقة عن المساهمات القليلة في هذا المجال من جهة أخرى؟!.
كما أن أهمية دراسة مادة المساكن الإدارية تنبع من كونها ترتبط بأهمية السكن بصفة عامة، ذلك أن هذا الأخير يعتبر من جهة من الضروريات الأساسية لحاجيات الأمن والاستقرار كما أنه من جهة أخرى يعد مظهرا من مظاهر التقدم سواء من وجهة النظر الاقتصادية أو الاجتماعية").
وزيادة على ما تقدم، فإن السكن الإداري يستمد أهميته كذلك من تداعيات أزمة السكن بصفة عامة والتي جعلت المدن المغربية تحتضن ساكنة تفوق طاقتها الاستيعابية، وخاصة من الموظفين الذين لا تسعفهم قدرتهم الشرائية على الولوج إلى ملكية مساكن خاصة أو كراء دور بالأثمنة السائدة في السوق العقارية، هذا بالإضافة إلى وضعهم الاعتباري داخل المجتمع الذي لا يسمح لهم باعتمار مساكن هامشية لا تتناسب ومكانتهم، وإلى جانب الأهمية التي تكتسبها المساكن الوظيفية، فهذه الأخيرة تطرح عدة إشكاليات جد معقدة، الشيء الذي يبرر أهمية تناولها بالدرس من خلال تشخيصها ثم محاولة إيجاد حلول لها.
فإذا كان السكن الوظيفي قد أسهم بشكل فعال في مجهود الدولة لحل أزمة السكن، فإنه ينطوي على مجموعة من النواقص والإشكاليات إن على المستوى التشريعي أو على المستوى العملي.
والإشكالية المطروحة هي:
كيف تعامل القضاء المغربي مع الإشكاليات التي تواجه المساكن الوظيفية في ضوء الإطار القانوني المنظم لهذا النوع من المساكن؟ لدراسة هذه الإشكالية ارتأينا أن نتطرق لها في فصلين، نخصص الأول منهما لمعرفة مجال تطبيق النظام الخاص بالموظفين المسكنين وذلك عن طريق دراسة حالات إسناد وتفويت السكن الوظيفي واستعراض الإكراهات التي تعيق تسيير ذلك السكن.
أما الفصل الثاني فسنخصصه للجانب العملي وذلك بدراسة موقف القضاء من المنازعات التي يكون موضوعها المساكن الوظيفية وخاصة تلك المرتبطة بالإفراغ والتفويت، وذلك باعتماد منهجية تقوم على البحث في الوثائق والنصوص المرتبطة بالسكن الوظيفي مع العمل على تحليلها، علاوة على إجراء مقابلات مع الممارسين المتدخلين في هذا القطاع، وكذا بالاستناد أيضا على مجموعة من الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن بعض المحاكم المغربية في هذا الموضوع، والعمل على دراستها وتحليلها، فيكون بذلك التصميم الذي سيتم اعتماده في هذه الدراسة كالتالي:
الفصل الأول: مجال تطبيق النظام الخاص بالموظفين المسكنين
الفصل الثاني: موقف القضاء من النزاعات الناجمة عن السكن الوظيفي
---------------------------
لائحة المراجع :
- مرسوم رقم 2.99.243 صادر في 16 من ربيع الأول 1420 (30 يونيو 1999) يغير بموجبه المرسوم رقم 2.83.659 الصادر في 22 من ذي الحجة 1407 18 أغسطس 1987 بالإذن ي أن تباع العقارات المملوكة للدولة لمن يشغلها من الموظفين و المستخدمين العاملين في 4704، بتاريخ فاتح يوليو إدارات الدولة بموجب عهود، ج.ر عدد 1999.
- مرسوم رقم 2.99.244 صادر في 16 من ربيع الأول 1420(30يونيو 1999) يغير بموجبه دفتر التحملات و الشروط المرفق بالمرسوم رقم 2.90.196 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1414 (29 أكتوبر 1993) بالإذن للدولة الملك الخاص في أن تبيع بالتراضي الشقق الموجودة ضمن العمارات المخزنية التابعة لقطاع السكنى لشاغليها،ج.ر عدد 4704، بتاريخ فاتح يوليو 1999.
- قرار رقم 994.87 صادر في 22 من ذي الحجة 1407 (18 أغسطس 1987) بتطبيق المرسوم رقم 2.83.659 صار في 22 ذي الحجة 1407 (18 أغسطس 1987) يتعلق بالإذن في بيع العقارات المملوكة للدولة لن يشغلها من لموظفين و المستخدمين العاملين في إدارات الدولة بموجب 1987،ج.ر عدد: 3903،بتاريخ عقود،ج.ر عدد 3903 بتاريخ 1987.
- قرار رقم 984.99 صادر في 16 من ربيع الأول 1420 30( يونيو 1999) القاضي بنسخ قرار وزير المالية رقم 994.87 الصادر في 22 من ذي الحجة 1407( 18 أغسطس 1987) بتطبيق المرسوم رقم 2.83..659 بتاريخ 22 من ذي الحجة 1407 المتعلق بالإذن في بيع العقارات المملوكة للدولة لمن يشغلها من الموظفين و المستخدمي العاملين في إدارات الدولة بموجب عقود، ج.ر عدد 4704،بتاريخ فاتح يوليو 1999.