بحث بعنوان: الجريمة المعلوماتية على ضوء العمل القضائي المغربي PDF
مقدمة :
شهدت البشرية في العقود الأخيرة ثورة في مجال المعلومات، بحيث غدت وسيلة العالم نحو الرقي الحضاري والاقتصادي، وشكل الوصول إلى المعلومات رهانا رئيسيا للإنسان لارتباطها بمختلف مجالات النشاط الإنساني وجوانب الحياة المعاصرة، إذ أصبح توفيرها وحسن استغلالها من المقومات الضرورية لدفع عجلة تقدم الأمم والمجتمعات، وصار وجودها دعامة أساسية لجهود التنمية والتحديث والرقي المعرفي، كما أن الوعي بأهميتها أضحى مؤشرا ومقياسا على تقدم الدول.
هذا، وقد تعددت التعاريف التي أعطيت للمعلومة، فهناك من عرفها بأنها رسالة معبر عنها في شكل يجعلها قابلة للنقل والإبلاغ للغير، أو بكونها رمزا أو مجموعة رموز تنطوي على إمكانية الإفضاء إلى معنى ، وهناك من اعتبرها مادة معرفة قابلة لأن تتمثل في إشارات متعارف عليها من أجل حفظها أو معالجتها أو بثها ، ولا يوجد لحد الآن تعريف قانوني جامع ومانع للمعلومة، باستثناء الإشارة البسيطة للقانون الفرنسي الصادر في 29 يوليوز 1982 الخاص بالاتصالات السمعية والبصرية، أعطى تعريفا عاما للمعلومة ينظر إليها بوصفها رنين صور الوثائق والبيانات أو الرسائل من أي نوع ، وفي ظل اختلاف هذه التعاريف، فإن التعريف الذي يبدو راجحا هو الذي يعرف المعلومات بأنها مجموعة من الرموز أو الحقائق أو المفاهيم أو التعليمات التي تصلح لأن تكون محلا للتبادل والاتصال أو للتغيير والتأويل أو للمعالجة سواء بواسطة الأفراد أو الأنظمة الإلكترونية، وهي تتميز بالمرونة بحيث يمكن تغييرها وتجزئتها وجمعها أو نقلها بوسائل أو أشكال مختلفة، ولكي تتمتع المعلومة بالحماية لابد من توفرها على شروط تتمثل في التجديد، والابتكار، والسرية، والاستئثار "، واذا أردنا تمييزها عن البيانات أو المعطيات نجد أن بعض الفقه يذهب إلى كون البيانات تشكل المادة الخام التي يتم تشغيلها للحصول على المعلومات "، كما أن التوصية الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في 26 نونبر 1992 الخاصة بحماية أنظمة الحاسوب وشبكات المعلومات، عرفت البيانات بأنها مجموعة من الحقائق والمفاهيم أو التعليمات التي تتخذ شكلا محددا يجعلها قابلة للتبادل والتفسير أو المعالجة بواسطة الأفراد أو بوسائل إلكترونية، أما المعلومات فهي المعنى المستخلص من هذه البيانات"، ويمكن القول أن المعلومات هي بيانات في حالة تبلور؟، علما أن البيانات هي مرادف للمعطيات، رغم وجود اختلاف بين التشريعات المقارنة، بحيث نجد أن المشرعين المصري والتونسي استعملا كلمة بيانات، في حين استعمل المشرع الفرنسي كلمة معطيات، وهو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع المغربي في ق رقم 03—07 المتعلق بالجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، من هنا يبدو عدم جدوى التمييز بين المعلومات والبيانات ما دامت المعلومات هي المعنى المستخلص من البيانات، وتأتي أولوية الاهتمام بالتطور الحاصل في مجال الاتصالات والمعلومات بالنظر إلى استقلال هذه الأخيرة بأنظمة خاصة أدت لظهور ما يعرف بالمعلوماتية ، التي برزت من جراء الاستخدام المتزايد للحاسوب كأداة لتخزين ومعالجة واسترجاع المعلومات، وكمساعد في عمليات التصميم والتصنيع والتحكم والإدارة، وتطورت تطبيقاته إلى أداء الخدمات في مجالات متعددة ، واقترنت بظهور شبكة الإنترنت التي يمكن من خلالها للشخص الذي يمتلك جهاز حاسوب مرتبط بهذه الشبكة الدخول إليها في أي وقت ومن أي مكان في العالم، يتبادل المعلومات مع غيره ويبرم الصفقات في أقصى أرجاء المعمور .
نتيجة هذا التطور في مجال المعلوماتية، ضعفت قدرة المراقبة والتحكم وازدهرت عمليات التجسس على المعلومات المعالجة آليا وسرقتها بشكل ملفت للنظر، حتى أصبحت تشكل تهديدا بالغا لسائر الهيئات التي تعتمد أعمالها على الحاسوب وشبكة الإنترنت، فارتفعت مخاطر استخدام الحاسوب، كما تهيأت الظروف المواتية لقرصنة البرامج وتداولها من غير منتجها الأصلي ولإنتاج الفيروسات وتمريرها من خلال الشبكات أو دسها في البرامج.
الشيء الذي أدى لظهور جرائم فنية سميت بالجرائم المعلوماتية 13، فالجريمة هي إفراز للمجتمع ومظهر من مظاهره، تعكس ما تموج به المجتمعات من ظروف وأسباب "أ، ولما كانت الجرائم المعلوماتية ظاهرة حديثة لارتباطها بتكنولوجيا الحاسوب، فقد بذل المهتمون بدراسة هذا النمط الجديد من الإجرام جهدا من أجل الوصول إلى تعريف مناسب يتلاءم مع طبيعتها، لكن بدون جدوى حتى قيل إن الجريمة المعلوماتية تقاوم التعريف "أ، لذا اختلفت التعاريف التي تناولت هذه الظاهرة من الإجرام، فمنها من تناولها بالتعريف على نحو ضيق، ومنها من عرفها على نحو واسع ، مع ذلك تبقى هذه التعاريف قاصرة عن الإحاطة بأوجه ظاهرة الإجرام المعلوماتي، هذا وقد تبنى مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاقبة المجرمين تعريفا جامعا للجرائم المعلوماتية بأنها كل جريمة يمكن ارتكابها بواسطة نظام حاسوبي أو شبكة حاسوبية أو داخل نظام حاسوب، وتشمل تلك الجريمة من الناحية المبدئية جميع الجرائم التي يمكن ارتكابها في بيئة إلكترونية 18، ويعد هذا التعريف من أفضل التعريفات التي تناولت ظاهرة الإجرام المعلوماتي إذ تشمل الجانبين المادي والمعنوي للحاسوب ومنها شبكة الإنترنت، كما أنه لم يقتصر على كون الحاسوب وشبكاته محلا للاعتداء، بل أيضا بوصفه وسيلة للاعتداء وارتكاب الجرائم، فالجريمة المعلوماتية قوامها سببين إما أن تكون المعلوماتية وسيلة للغش والتحايل والاعتداء، أو تكون المعلوماتية نفسها محلا للاعتداء.
وتكتسي معالجة هذا النوع من الجرائم أهمية بالغة بالنظر إلى الإشكالات العملية التي تطرحها على مستوى القضاء والقانون وارتباط ظهورها بتكنولوجيا الحاسوب والإنترنت، مما أسفر عن تميزها بمجموعة من الخصائص جعلتها تختلف عن غيرها من الجرائم واستوجب ضرورة التعامل معها بما يتلاءم مع هذه الخصوصية، ناهيك عن أن مرتكبيها يختلفون عادة عن المجرمين التقليديين باعتبارهم أشخاصا على مستوى عال من العلم والمعرفة، فالفاعل في الجرائم المعلوماتية أو ما يسمى بالمجرم المعلوماتي ليس شخصا عاديا إنما شخص ذو مهارات تقنية عالية قادر على استخدام قدراته لتغيير المعلومات، أو تقليد البرامج أو تحويل الحسابات عن طريق استعمال الحاسوب بشكل غير مشروع، هذا الجهاز الذي بالإمكان التلاعب فيه من خلال نسخ برامجه، أو إدخال معلومات غير حقيقية أو تعديل أو حذف المعلومات والبرامج بأشكال غير مشروعة، فهذه الجرائم ذات طبيعة خاصة لتعلقها من ناحية بأساليب المعالجة الإلكترونية للبيانات من خلال تجميعها وتجهيزها بغية الحصول على معلومات، ومن ناحية أخرى بأساليب معالجة الكلمات أو النصوص والوثائق المخزنة في الحاسوب بطريقة أوتوماتيكية، تمكن المستخدم من الاطلاع على وثائق الحاسوب وإجراء التعديلات عليها من محو وإضافة كما في حالات التقليد والتزوير.
وهي جرائم لا يستهان بها لمساسها بمصالح المجتمع خاصة فيما يتعلق بتعاملات البنوك الإلكترونية من سحب للأرصدة وإيداع عن طريق البطائق الممغنطة، كذلك تقليد برامج الحاسوب والمساس بالحياة الخاصة للأفراد، وأمام هذه الجرائم بدت النصوص القانونية السائدة قاصرة إن لم تكن عاجزة عن تغطية الحالات الجرمية المستجدة، وهو ما أدى إلى تضارب تطبيقات العمل القضائي، مما يستدعي ضرورة مراجعة النصوص القانونية الحالية المتعلقة بالتزوير والسرقة والاحتيال، وتقليد العلامات الفارقة.
وإذا ما كانت هناك إشكالات جوهرية قد تطرح نفسها بحدة بعد تحديث المشرع لترسانته القانونية فعموما يمكن إجمالها فيما يلي: هل استقر العمل القضائي المغربي على رؤية موحدة في معالجته للإشكالات التي تطرحها ظاهرة الإجرام المعلوماتي؟ وإذا كانت التطبيقاتالقضائية غير مستقرة في هذا المجال، فهل ذلك راجع لصعوبة الإحاطة بهذا النوع من الجرائم من قبل رجال القضاء؟ أم أن النصوص القانونية رغم حداثتها لم تستوعب جميع مظاهر الجريمة المعلوماتية؟ هذا ما سنحرص على رصده حين الوقوف عند كل نقطة من النقط المثارة أعلاه، مع إيلاء الاهتمام بالقوانين والأجهزة الكفيلة بمواجهة وضبط الجريمة المعلوماتية دون أن نغفل دور المجتمع الدولي، الذي إدراكا منه بأن المجهودات الفردية لكل دولة تقف عاجزة عن التصدي لهذا النمط المستحدث الذي توصف أفعاله المجرمة بأنها عابرة للحدود وتتخطى حدود الدول، اتخذ جملة من التدابير لمواجهتها. وذلك وفق الشكل الآتي بيانه:
الفصل الأول: مظاهر تجريم جرائم نظم المعلوميات
الفصل الثاني: أوجه التصدي للجرائم الناشئة عن استخدام المعلوميات
---------------------------
لائحة المراجع :
- محمد سامي الشوا: "ثورة المعلومات انعكاساتها على قانون العقوبات"، دار النهضة العربية، طبعة 1998.
- علي كحلون: "الجوانب القانونية لقنوات الاتصال الحديثة والتجارة الالكترونية"، دار إسهامات في أدبيات المؤسسة، تونس، طبعة 2002.
- نائلة عادل محمد فريد قورة: "جرائم الحاسب الالي الاقتصادية"، دراسة نظرية وتطبيقية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الأولى 2005.
- عبد الكريم غالي: محاور في المعلوميات والقانون، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، القنيطرة، الطبعة الأولى، 1997.
- محمد السعيد خشبة: "مقدمة في التجهيز الإلكتروني للبيانات"، جامعة الأزهر القاهرة، طبعة 1984.
- محمد محمد شتا: "الحماية الجنائية لبرامج الحاسب الالي" دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، طبعة 2001.
- أحمد خليفة الملط: "الجرائم المعلوماتية"، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، طبعة 2005.
- هشام محمد فريد رستم: "قانون العقوبات ومخاطر تقنية المعلومات"، مكتبة الآلات الحديثة أسيوط، طبعة 1994.
- أحمد المناعسة: "جرائم الحاسب الالي والإنترنت"، دراسة مقارنة، دار وائل للنشر والتوزيع،
- الشرقاوي الغزواني نور الدين: قانون المعلوميات"، مطبعة diffusion Print، سلا، الطبعة الأولى 1999.
- جميل عبد الباقي الصغير : "الانترنت والقانون الجنائي" الأحكام الموضوعية للجرائم المتعلقة بالانترنت، دار النهضة العربية القاهرة، طبعة 2001.
- جميل عبد الباقي الصغير: "القانون الجنائي والتكنولوجيا الحديثة" الكتاب الأول، الجرائم الناشئة عن استخدام الحاسب الالي، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 1992.
- انتصار نوري الغريب: "أمن الكمبيوتر والقانون"، دار الراتب الجامعية، بيروت، طبعة 1994.
- محمد عبد الله أبو بكر سلامة : "جرائم الكمبيوتر والانترنت" منشأة المعارف الإسكندرية، طبعة 2006.