بحث بعنوان: مؤسسة عامل الإقليم بين سلطات الضبط الإداري وتحقيق التنمية PDF
مقدمة:
عرفت الإدارة المغربية في السنين الأخيرة عدة تحولات كإنعكاس طبيعي لتطور وظائف ومهام الدولة، بحيث أن النشاط الاداري أصبح يمتد ليشمل أجزاء التراب الوطني كافة، وبالتالي أصبح من الضروري مواكبة الإدارة لحركية المجتمع وتطوره، فالمركزية الإدارية لا يمكنها وحدها مهما بلغت كفاءتها وإمكانيتها اللوجستيكية أن تضطلع بمهمة تأطير فعال لمختلف الجهات والأقاليم، و لتصريف الشأن العام على صعيد مختلف مستويات الإدارة الترابية، تعتبر مؤسسة العامل أهم تجسيد لهذا التصريف فالعمال على مدى تعاقب السلاطين هم أدرع السلطان التي تحتضن رعاياه لحمايتهم وفي نفس السياق لجلب المتسلطين والظالمين منهم، ونظرا للقيمة الرمزية لمؤسسة العامل في النسق السياسي والإجتماعي المغربي، تم الإسراع إلى تشييدها بالمغرب بعد الحماية. ويمكن تعريفه بأنه موظف ينتمي الى التسلسل الإداري لوزير الداخلية فهو رجل سلطة يتمتع بسلطات معينة تخولها له النصوص القانونية والتشريعية والتنظيمية، ويتوفر على الإمتيازات العامة المخولة للقوة العمومية ويتولى أيضا تنسيق عمل الإدارات التقنية الأخرى باعتباره الممثل الوحيد للسلطة التنفيذية ضمن الحدود الترابية للإقليم فهو يمثل الملك في المناسبات الترابية للإقليم كما في المناسبات واستقبال الشخصيات الرسمية الوافدة على الإقليم ومكلف أيضا بتقديم التعازي.
ومؤسسة العامل كغيرها من المؤسسات التي تطورت بتطور الدولة وتقدم التاريخ، حيث يرى بعض الباحثين أن الإسلام لم يعرف مفهوم الدولة إلا مع خلافة أبي بكر الصديق وتبلور شكلها الحقوقي زمن عمر بن الخطاب، والخلافة كنظرية سياسية تعني رئاسة الدولة بواسطة البيعة والشورى, فخليفة المسلمين لم يكن ليستطيع أن يدبر أمور الدولة بمفرده فقد كان يعين نوابا للإدارة لتدبير شؤون الأقاليم وفق مبادئ التشريع الإسلامي (القرآن والسنة) الذي وضع أسس الحكم والإدارة.
وبالتالي أسندت لممثلي الخلافة بالأقاليم مهمة الإشراف المالي والإداري حيث فوضت العديد من المهام؛ وكان يلزم هذا التفويض ضرورة خضوعه للمراقبة فقد عرف النظام
الإداري الإسلامي عدة آليات للمراقبة والتد بير الإداري، حيث تتلخص أهم اختصاصات الولاة في إدارة الولاية وفق التعاليم ونشر الثقافة الإسلامية بتعليم الناس وإقامة العدل بينهم وإمداد الجيش بالمقاتلين في الحروب والإشراف على القضاة والموظفين كما من واجبهم الإشراف على عمران الإقليم من حفر العيون وتعبيد الطرق وبناء المساجد والأسواق وتأمين المياه؛ ولمواجهة هاته المهام العمرانية والإدارية المختلفة كانت تتوفر كل ولاية أو إقليم على بيت خاص بها يشرف على تدبير موارده ونفقاته؛ هذا إضافة إلى التدبير المشترك والذي يتجلى في مبداً الشورى الذي أقره النظام السياسي من أجل سداد الرأي العام وتقويم الأخطاء والإنحرافات.
وإذا كانت مؤسسة العامل في مرحلة الحماية ظلت مغيبة حيث سارع المغرب إلى إحداثها فور الحصول على الإستقلال؛ فإنه قد تم توسيع إختصاصات العامل بمقتضى التعديلات التي أدخلها الظهير الشريف معتبر بمثابة قانون والصادر بتاريخ 6 أكتوبر 3، المتعلق باختصاصات العامل على ظهير 15 فبراير 1977 بحيث أوكل للعامل بمقتضاها وتحت سلطة الوزراء المختصين مهمة تنسيق أعمال المصالح الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة والمؤسسات العمومية التي لا يتجاوز مجال عملها نطاق العمالة أو الإقليم أو الجهة لهدف تأمين التناسق ما بين اللامركزية وعدم التمركز الإداري.
وتكمن أهمية مؤسسة العامل أن دوره كان أمنيا محضا يتمثل في إحتواء المناطق الحساسة وتكثيف تواجد السلطة.
- مثلا انشئت أقاليم الخميسات؛ خنيفرة وقلعة السراغنة تحت ضغط احداث1973.
- اقليم فكيك أنشئ مع بروز قضية الصحراء والتداعيات الجيوستراتجية في المنطقة.
- أحداث ولاية الدار البيضاء بعمالاتها الست كرد فعل على أحداث يونيو 1981.
والتنظيم الاداري بالمغرب قد قام في البداية على أسس المركزية الإدارية المطلقة، غير أن اتساع نشاط الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية جعل من غير الممكن الاعتماد على هذا النظام لوحده وهذا ما أدى إلى ظهور اللامركزية باعتباره نظاما يمكن الاضطلاع به لتخفيف الإطلاع على المركزية الادارية؛ فالهاجس الرئيسي للدولة يتمثل في تطوير جهازها بشكل يسمح بتأمين تواجدها على مجموع التراب؛ بحيث مهما بلغت الإدارة المركزية كفاءتها وإمكانيتهاء فهي غير قادرة على أن تراقب بشكل فعال مختلف الجهات والأقاليم. حيث كان من الضروري على الإدارة الانتقال إلى مرحلة جديدة من لامركزة القرار ولامركزية الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية لتحقيق تنمية مندمجة ومتوازنة، ومن ثم بلورة القرار التنموي يقتضي إقامة قنوات لتصريف الشأن العام على صعيد مختلف مستويات الإدارة الترابية، وإن إفتراض قيام العامل بمهام ذات صبغة اقتصادية واجتماعية يدفع إلى القول بخضوع سلطته للجهاز التنفيذي برمته وليس لوزارة الداخلية وحدها ويمكن استنباط هذا المنحى من الصفة التي خولها الدستور الجديد للعامل عندما نعته بممثل الدولة.
ومع بروز العهد الجديد لجلالة الملك محمد السادس سوف تعرف السلطة ودورها تحولا هاما تجسد في ما تضمنه خطاب جلالته”. أمام المسؤولين عن الولايات والجهات والعمالات والأقاليم 12 أكتوبر 1999 بالدار البيضاء حيث أعلن فيه عن مفهوم جديد للسلطة كما أكد عليه جلالته في خطاب العرش 30 يوليوز 2000 حيث جاء فيه "أعطينا مفهوما جديدا للسلطة يجعلها ترعى المصالح العمومية وتدبر الشؤون المحلية وتحفظ الأمن والإستقرار وتسهر على الحريات الفردية والجماعية وتنفتح على المواطنين مباشرة بهم ومعالجة ميدانية لمشاكلهم واشراكهم في هذه المعالجة ".
إلى جانب المهام التقليدية المتعلقة بالمحافظة على النظام العام والأمن وهي خاصية طبعت عمل مؤسسة العامل لعدة عقود؛ فقد أدت عدة عوامل متمثلة في التحديات الوطنية والدولية إلى ضرورة البحث عن سبل جديدة للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ كما عمد المشرع المغربي الى تعديل القانون المنظم لرجال السلطة بموجب ظهير شريف الصادر من رجب 1429 الموافق 30 يوليوز 2008 .المعتبر بمثابة النظام الاساسي لهيئة رجال السلطة وبموجب هذا التعديل الجوهري أصبحت مهام العامل تشمل
الاعمال التنموية بدل التركيز على الامن والنظام العام فأهمية الديموقراطية التشاركية والحرية في أسلوب الإدارة المعاصرة التي تحفز مشاركة المواطن في صناعة القرار التنموي كلها عوامل أدت الى التفكير في اعادة النظر في ميكانزمات الإدارة الترابية وبهذا القانون يكون المشرع قد اعطى مفهوما جديدا لرجل السلطة عامة ومؤسسة العامل خاصة وطوره من مفهوم ذو بعد أمني ضبطي الى مفهوم ذو بعد تنموي.
والتنمية حسب بعض الباحثين مفهوم يحيل إلى عدة مفاهيم في فهم السياسة والاقتصاد، الاجتماع والثقافة ... والتنمية لها مفهوم نظري وعلمي، الأول له محتوى فلسفي في حين أن الثاني له محتوى قابل للتحقق في أي مكان .
لغويا جاء في لسان العرب التنمية تعني نمى ينمي نموا ونما زاد وكثر ونميت الشيء رفعته عليه وكل شيء رفعته فقد نميته ونميت النار تنمية إذا ألقيت بها حطبا وذكيتها به ونميت النار رفعتها وأشبعت وقودهاة.
أما هيئة الأمم المتحدة؛ فتعرف التنمية بأنها النمو مع التغيير؛ والتغيير إجتماعي وثقافي، وإقتصادي وهو تغيير كمي وكيفي”. وأما الأستاذ مصطفى الكثيري فيعرفها بما يلي التنمية هي مسلسل دائم ومستمر ديناميكي وتراكمي؛ يتوخى تعبئة وتوظيف كل القدرات الذاتية والموضوعية وكل الموارد البشرية والمادية المتوفرة والمتاحة.
لقد إتضح من خلال التعاريف السابقة بأن التنمية مفهوم معقد ولو مع وجود معايير تبرز معالمه وعموما فالتنمية تحول من وضعية أدنى إلى وضعية أحسن باستعمال الوسائل المتاحة وطبقا لاستراتيجية معينة.
لقد حظيت قضايا التنمية باهتمام كبير لدى الكثير من العلماء والمفكرين والمخططين وأصبحت البرامج التنموية هي محور إهتمام الدوائر العلمية والأكاديمية في جميع بلدان العالم، كما إرتبط مفهوم التنمية لوقت طويل بمفاهيم تخصصية تتعلق أساسا بالتنمية الاقتصادية وتحقيق النتائج المالية والمحاسبية لتدخل المنظمات العمومية في إطار تأهيل
الوحدات المجالية التي تعمل فيها قبل أن تنتقل إلى مختلف أوجه ومجالات تدخل هذه الهيئات لإحداث تغييرات إيجابية وتطور نوعي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وكمرحلة لا حقة تحقيق تنمية إنسانية وبشرية شاملة ومستدامة ومندمجة .
فالعامل يساهم في التنمية بصفتين الصفة الأولى تتمثل في كونه يمارس إختصاصات ومهام تدخل في إطار اللاتمركز والصفة الثانية تتجسد في صفته كسلطة مراقبة للجماعات الترابية ومسؤولة عن مواكبة وتطوير اللامركزية في العالم القروي وجزئيا في العالم الحضري.
مما يجعل العامل معني بدرجة كبيرة بالإنخراط في التنمية» فالهدف من التنمية هو العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات الترابية عن طريق العمليات التي توحد بين جهود السكان تلك الجماعات الترابية وجهود السلطات الإدارية في إطار التعاون والتكامل من أجل حياة أفضل للمواطنين.
إن مساهمة العامل في التنمية من الصعب تحديد ملامحها بدقة لكون هذه الأخيرة تشكل كتلة غير قابلة للتجزيء؛ فالقرارات والمبادرات التي يتخذها العامل سواء كسلطة لا تمركزية أو كسلطة مراقبة للجماعات تنبني على منطق محلي مثل القرارات والمبادرات التي تتخذها أجهزة الجماعات الترابية والأطراف الأخرى كالمصالح اللاممركزة والجمعيات والقطاع الخاص.
وعلى ضوء ماسبق فإن إشكالية الموضوع تتمثل في إزدواجية الدور الذي ينفرد به العامل حيث يعتبر سلطة إدارية سياسية لكونه يمارس إختصاصات إدارية ويمثل الحكومة في الجماعات الترابية بالإضافة إلى إسهاماته في تحقيق التنمية؛ اما بخصوص التصميم فهو على الشكل التالي: