مقال بعنوان: دور الوثائق المحاسبية والجزاءات المترتبة على مخالفتها
تعتبر الوثائق المحاسبية أو القوائم التركيبية بمثابة كشف إشعاعي للمقاولة، فهي تعكس حالتها الصحية في وقت معين.
وتسمح هذه القوائم ب:
كشف بنية تمويل المقاولة؛
كشف مردودية موجودات المقاولة؛
تقيم مخاطر السيولة والإفلاس؛
قياس ملاءة وسلامة المقاولة؛
إجراء تحليل مقارن بين مقاولات من نفس القطاع و مقارنة قدراتها على التموقع بالنسبة للمنافسين و كذا بالنسبة لسوق أكثر شمولية.[1]
فالمادة 19 من مدونة التجارة تشير أنه يتعين على كل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا أن يمسك محاسبة منظمة وذلك تنفيذا الأحكام الظهير الشريف رقم 138-92-1 الصادر في 30 جمادى الثانية 113( 25 دجنبر 1992 )المتعلق بتنفيذ القانون رقم 88.9 في شان القواعد المحاسبية الواجبة على التجار العمل بها[2]
فتنظيم النشاط التجاري، يفرض وضع ضوابط يتعين على كل تاجر احترامها والخضوع لها. وهكذا يخضع التاجر لمجموعة من الالتزامات سواء في علاقته بباقي التجار أو في علاقته مع الأغيار أو مع الدولة، الغاية منها تنظيم النشاط ومراقبته. ولأن الالتزامات الملقاة على عاتق التاجر متعددة، فإننا سنكتفي في المطلب الأول بالتطرق إلى الالتزامات المحاسبية على أن نخصص المطلب الثاني إلى الجزاءات المترتبة على مخالفتها[3]
المطلب الأول : الالتزامات المحاسبية
يحتاج القائم على مشروع تجاري إلى معرفة مركزه المالي بصفة منتظمة. فسعي التاجر المستمر نحو تحقيق الربح، يدفع به إلى اتخاذ قرارات كثيرة وخطيرة أحيانا، لتحقيق هذا الهدف. ولن يتأت للتاجر اتخاذ القرار السليم إلا إذا كان عالما بدقة مركزه المالي.
وبديهي أن للإنسان طاقة محدودة على تذكر كافة معاملاته، بحيث يستحيل على التاجر تخزين جميع أصول وخصوم والتزامات وحقوق المقاولة في ذاكرته. وإنما يحتاج إلى تخزين كل هذه المعلومات كتابة، خصوصا إذا تشعبت معاملاته مع عدد كبير من المتعاملين. فكان من الطبيعي أن يبحث التاجر عن وسيلة لتسجيل عمليات المشروع بحسب تسلسل زمان وقوعها وحسب طبيعتها. بحيث، يتم تبويبها تبويبا منطقيا، يمكنه من الوقوف على وجه الدقة على معاملاته.[4]
فالوثائق المحاسبية بداية أداة لتسيير المقاولة حيث تمكن من معرفة نتائجها وتطورها، وذاك من خلال إجراء مقارنة يوازن فيها بين إيراداته ونفقاته لتحقيق مركزه المالي، أي إقامة الميزانية وحساب الأرباح والخسائر، وعلى ضوء ما يتوصل إليه من نتائج مقارنة مع موازنات متتالية أو بالتقريب مع موازنات لمقاولات شبيهة، كما يستطيع أن يستند إلى هذه الوثائق لفض كثير من المشاكل والمنازعات التجارية[5]
من هنا ظهرت أهمية المحاسبة والمحافظة على المراسلات السابق دراستها.
هذا وقد نظم المشرع المحاسبة من خلال المواد من 19 إلى 25 من مدونة التجارة. وكذا من خلال القانون 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية، الصادر بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.92.138 بتاريخ 25 ديسمبر 1992. إلا أن الملاحظ أنه لم يعرفها. ويمكن تعريفها بأنها علم من العلوم الاقتصادية، يحلل العمليات المالية عند حدوثها ويسجلها بطريقة منتظمة، ثم يتم تجميعها وتبويبها بكيفية يسهل معها تفسيرها وإظهار المركز المالي للمقاولة، في تاريخ انتهاء فترة معينة و عرض ذلك في شكل قوائم مالية[6].
وقد أخذ المشرع المغربي بالفعل كباقي التشريعات المقارنة بحجية الوثائق المحاسبية في الإثبات، وقد تكون هذه الحجية دليلا ما في بعض الأحيان لصاحبها أو عليه، وقد تكون الوثائق في حالات أخرى حجة على صاحبها، ولا تكون حجة لفائدته، وقد تكون أيضا هذه الوثائق في حالة أخيرة مجرد قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس بكافة وسائل الإثبات، وبإمكان القاضي أن يذهب أبعد من ذلك فيقرر صرف النظر عن هذه الوثائق المحاسبية ويطلب دليلا آخر وذلك تبعا لسلطته التقديرية في هذا المجال.
وإذا كانت القاعدة العامة في الإثبات أنه لا يسوغ للشخص أن يصنع دليلا لنفسه ويحتج به ضد الغير، كما لا يجبر الشخص مبدئيا على تقديم دليل ضد نفسه لصالح الغير، فإنه في القضايا التجارية يجوز الإثبات بواسطة الوثائق المحاسبية سواء كان الإثبات لمصلحة التاجر الذي يمسكها أو ضده.
وفي هذا الإطار ينص الفصل 433 من ق.ل.ع المغربي على أنه "إذا تضمنت دفاتر التاجر تقييد صادرا من الخصم الآخر أو اعترافا مكتوبا منه أو إذا طابقت نظيرا موجودا في يد هذا الخصم الآخر، فإنها تكون دليلا تاما لصاحبها وعليه".
وجاءت الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 15.95 يتعلق بمدونة التجارة في باب القواعد المحاسبية والمحافظة على المراسلات لتنص على أنه إذا كانت تلك المحاسبة ممسوكة بانتظام فإنها تكون مقبولة أمام القضاء كوسيلة إثبات بين التجار في الأعمال المرتبطة بتجارتهم[7].
وبخصوص الوثائق المحاسبية و بإطلالة على القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية، يمكن أن تحدد هذه الأخيرة في سجلات وقوائم تركيبية سنوية.
أولا : السجلات المحاسبية
أـ دفتر اليومية le journal
ب- دفتر الأستاذ grand-livre
ج- دفتر الجرد livre d'inventaire
ثانيا: القوائم التركيبية
ألزمت المادة 9 من قانون 9.88 المنظم للقواعد المحاسبية، كل تاجر خاضع لأحكام هذا القانون، بإعداد قوائم تركيبية سنوية عند اختتام كل دورة محاسبية. ويتم إعداد هذه القوائم، اعتمادا على بيانات المحاسبة والجرد التي سبق تقييدها في دفتر اليومية ودفتر الأستاذ وكذا في دفتر الجرد.
وتشمل القوائم التركيبية السنوية، الموازنة وحساب العائدات والتكاليف وقائمة أرصدة الإدارة وجدول التمويل وقائمة المعلومات التكميلية، بحيث تشكل كل هذه العناصر كلا لا يتجزأ. ويمكن القول إن هذه القوائم تعطي صورة صادقة عن التجارة ووضعيتها.
ولأن احترام مجموع هذه الأحكام يتطلب جهدا يصعب على التاجر أحيانا مجاراته، أعفي المشرع المغربي، من خلال المادة 21 من قانون 9.88، الخاضعين لأحكام هذا القانون من إعداد قائمة أرصدة الإدارة وجدول التمويل وقائمة المعلومات التكميلية، إذا كان رقم أعمالهم السنوي يساوي أو يقل عن عشرة ملايين درهم[8].
كما بفرض المشرع التجار ضرورة الاحتفاظ بالوثائق المحاسبية لمدة عشر سنوات. إلى انه ابتداء من 10 سنوات بالنسبة للدفاتر تبدأ من تاريخ إقفالها واختتامها أما بالنسبة للقوائم التركيبية فتبدأ من تاريخ الدورة المحاسبية التي أعدت من اجلها. ومما يجب التنبيه إليه انه بعد انصرام مدة 10سنوات يجوز للتاجر أن يقوم بإتلاف الوثائق المحاسبية.
المطلب الثاني: الجزاءات المترتبة على مخالفتها
عمل المشرع المغربي على تنظيم القواعد المحاسبية من خلال قانون 9.88، ومن خلال بعض المواد في مدونة التجارة. واعتبر مسك هذه الوثائق المحاسبية بمثابة عمل إلزامي، الغاية منه حماية مصلحة التاجر والمصلحة العامة. وبذلك يتم إقرار نوع من التوازن.
وإذا كان المشرع قد اعتبر مسك الوثائق المحاسبية بمثابة أمر الزامي في مواجهة كل تاجر، فإنه أورد الجزاءات المقررة في حالة مخالفة هذه القواعد من خلال مواد متفرقة[9]
أولا : الجزاءات الجنائية
ينص الفصل 357 من القانون الجنائي المغربي على ما يلي:
من ارتكب بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 354، تزويرا في محرر تجاري او بنكي، أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى عشرين ألف درهم.
حيث يمكن إعمال هذه الجريمة والعقوبة المقررة لها في حالة حصول تزوير في الوثائق المحاسبية، باعتبارها محررات تجارية.
وجاءت المادة 384 من القانون رقم 95-17 المتعلق بإصلاح شركات المساهمة بالمغرب، لتعاقب بالحبيس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين أعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير أو التدبير لشركة مساهمة:
* الذين وزعوا عن قصد على المساهمين أرباحا وهمية في غياب أي جرد أو بالاعتماد على جرود تدليسية.
* الذين قاموا عن قصد أو في حالة عدم توزيع أرباح وبغية إخفاء وضع الشركة الحقيقي، بنشر أو تسليم المساهمين قوائم تركيبية سنوية لا تعطي صورة صادقة للنتائج المحققة برسم كل سنة مالية والوضعية المالية للشركة وذمتها المالية عند انتهاء تلك الفترة...
ثانيا: الجزاءات المقررة في القانون المدني.
يمكن تقرير المسؤولية المدنية المقررة في القانون العام أيضا إذا تسبب سوء مسك الحسابات في ضرر للغير أو للشركاء، فهكذا يمكن للأغيار المنخدعين من التقديم المفرط في التفاؤل بشأن وضعية المقاولة، أن يطالبوا بالتعويض عن الضرر الذي قد يحصل لهم، ومثال ذلك المورد الذي يمنح ائتمانا على أساس جرد تدليس خاطئ.
حيث أنه حسب المادة 19 فقرة ثانية من مدونة التجارة الجديدة فإنه إذا كانت تلك المحاسبة ممسوكة بانتظام فإنها تكون مقبولة أمام القضاء كوسيلة إثبات بين التجار في الأعمال المرتبطة بتجارتهم وهو ما يعني بالمفهوم المخالف أنه إذا لم يتم احترام القواعد الشكلية المتعلقة بمسك المحاسبية فإنها لا تعتبر منتظمة وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها في الإثبات أمام القضاء.
إضافة إلى ذلك إذا ترتب عن عدم مسك المحاسبة بصورة منتظمة إلحاق ضرر بالغير أو بالشركاء قامت المسؤولية المدنية للمسؤول عن ذلك وفق القواعد العامة.
ثالثا: الجزاءات المقررة في القانون التجاري.
لقد انفرد القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة بالمغرب بالتنصيص على انه "في حالة التسوية القضائية أو التصفية القضائية لشركة ما يجب على المحكمة أن تفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية تجاه كل مسؤول يمكن أن تثبت في حقه إحدى الوقائع التالي:
كما يرخص نفس القانون للمحكمة في حالات متشابهة لحالة الإفلاس الشخصي أن تقضي بإجراء أخف، ويتمثل في منع التدبير أو التسيير آو الإدارة أو المراقبة بصفة مباشرة أو غير مباشرة لكل مقاولة تجارية أو حرفية ولكل شركة تجارية ذات نشاط اقتصادي.
ويترتب عن الحكم بسقوط التجارية الحرمان من ممارسة وظيفة عمومية انتخابية تشمل عدم الأهلية لكل شخص طبيعي تم الحكم عليه بالتصفية القضائية
كما يمكن اعتباره من قبيل الجزاء في هذا المجال حالة عدم تصديق الحسابات من طرف مراقبي الحسابات وكذلك رفض الجمعيات العمومية التصديق على حسابات الشركة
رابعا: الجزاءات المقررة في القانون الضريبي.
وتتمثل بالخصوص في رد المحاسبة من قبل إدارة الضرائب، إذا أثبتت هذه الأخيرة عدم صحة وصدق المحاسبة، ويجوز لها ان تقوم فيما بعد بفحص جديد للحسابات التي سبق فحصها من غير أن يترتب على الفحص الجديد، ولو تعلق الأمر بضرائب ورسوم أخرى، تغيير أسس فرض الضريبة التي وقع إقرارها عقب المراقبة الأولى.
وفي هذا السياق ينص القانون المنظم للضريبة على الشركات بالمغرب على انه إذا لم تقدم الشركة الوثائق المحاسبية في الآجال المشار إليها، عوقبت الشركة بغرامة قدرها ألفا درهم، وإذا لم تدل الشركة بما يبرر عدم تقديمها الوثائق المحاسبية تعرضت علاوة على ما ذكر، لتلجئة قدرها مائة درهم عن كل يوم تأخير على ألا تتجاوز مجموعها ألف درهم.
وجاء أخيرا القانون المالي للسنة المالية 1996 /1997 في المادة 49 المكررة في باب الجزاءات الجنائية ليجرم التملص الضريبي ولينص على ما يلي:
"بصرف النظر عن الجزاءات الضريبية المنصوص عليها في هذا القانون، يعاقب بغرامة 5.000 درهم 50.000 درهم. كل شخص ثبت في حقه استعمال إحدى الوسائل التالية قصد الإفلات من إخضاعه إلى الضريبة أو التملص من دفعها آو الحصول على خصم منها أو استرداد مبالغ بغير حق: