مقال بعنوان: المرأة المغربية وسؤال التمكين السياسي والاجتماعي
يعتبر موضوع المرأة من المواضيع التي حظيت ولا تزال تحظى باهتمام متزايد من طرف مختلف مكونات المجتمع من فقهاء قانون وعلماء اجتماع ومنظمات وجمعيات نسائية، ويرجع هذا الاهتمام للأدوار الهامة التي تلعبها المرأة سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع. والاهتمام بهذا الموضوع ليس حديثا بل تعود إرهاصاته الأولى إلى العصور القديمة للبشرية، ولا سيما في ظل ما أرست له الديانات السماوية المختلفة، ومن بينها الإسلام[1]، وما أعقبها من تطورات جذرية تمت ترجمتها على مستوى المنظومتين القانونية والمؤسساتية، على نحو أضحت معه قضية المرأة ذات أبعاد دولية شكلت محور اهتمامات المجتمع الدولي وموضوعا لعدة لقاءات ودراسات، كانت نابعة بالأساس من صلب اقتناع المجتمع الدولي بدورها الفعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن إيمانه بضرورة حمايتها من التهميش والتمييز الذي كانت تعاني منه لآماد طويلة من الزمن، وهي الحماية التي لم تأتي دفعة واحدة بل كانت تتويجا لمجموعة من المبادرات على مختلف الأصعدة في سبيل توفير الرصيد الكافي من الإنصاف بما يضمن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل[2].
وتعززت مكانة المرأة بانبثاق مجموعة من المنظمات والهيئات سواء الحكومية أو غير الحكومية، كان على رأسها منظمة الأمم المتحدة التي عملت على خلق مجموعة من المبادئ والآليات المشكلة للأرضية الأساسية لكل الاستراتيجيات والسياسات الأممية في هذا المجال، كما دعت إلى عقد العديد من المؤتمرات وتنظيم مختلف الندوات ونشر الدراسات عن وضعية المرأة على الصعيد الدولي، وضمن مكونات أجهزة هيئة الأمم المتحدة، قامت الجمعية العامة بإصدار مجموعة من القرارات والاتفاقيات الخاصة ذات الصلة المباشرة بحقوق المرأة والرامية لتحسين أوضاعها.
أما على الصعيد الوطني، فقد ساهم في بلورة هذا الاهتمام وتطوره تجند كافة الفعاليات الوطنية، الحكومية منها وغير الحكومية، من أجل تحسين الأوضاع المرتبطة بالمرأة في مختلف الميادين وتكريس مساواتها بالرجل في كافة المجالات والحقوق والعمل على الارتقاء بأوضاعها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية [3]. على الرغم من مختلف الإكراهات والمعيقات المطروحة والتي تحول دون نيل المرأة المغربية لحقوقها بالكامل، بدليل التمييز الذي ما زال يطالها في العديد من الميادين، حيث أصبح على المغرب أن يبحث عن السبل الكفيلة لكي تنال هذه الفئة كامل حقوقها، سعيا في ذلك لتمكين النساء سياسيا واجتماعيا بغرض تجاوز مختلف الإكراهات التي تعيق الرقي بمقاربة النوع بالمغرب. وعلى هذا الأساس ينبغي التساؤل أساسا حول إشكالية المرأة المغربية وسؤال التمكين السياسي والاجتماعي، وهي الإشكالية التي تطرح مجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل:
إلى أي حد تتماهى التشريعات والسياسات العمومية المغربية مع ما هو مقرر للنساء من حقوق على المستوى الدولي؟ وكيف يمكن تقييم المجهودات المغربية في مجال الإقرار بهذه الحقوق؟
ما هي العراقيل والصعوبات التي تواجه مساعي تمكين المرأة المغربية؟ وما هي الحلول والبدائل التي يجب الأخذ بها للنهوض بحقوق المرأة؟
أولا: حقوق المرأة المغربية بين الشريعة الدولية والتشريع الوطني
علاوة على التشريعات العامة المتعلقة بحقوق النساء على المستوى الدولي، جاءت المواثيق الدولية الخاصة بمجموعة من الحقوق الهامة التي تشكل إلى حدود اليوم كنه المنظومة القانونية والمؤسساتية العالمية، والتي انبثقت أساسا من مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات الدولية، من أهمها:
· الاتفاقية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة : تم إقرارها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1952 ودخلت حيز التنفيذ في 1954، وتهدف إلى منح وحماية حقوق المرأة على أساس عالمي، وتؤكد الاتفاقية على ثلاث حقوق أساسية، حق الانتخاب في جميع الانتخابات الرسمية، حق تولي المناصب العامة، حق ممارسة الوظائف العامة [4].
· اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة: أنشئت بقرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في 1956 واعتمدت في 1957، وتنص على أنه لا يمكن تغيير جنسية المرأة تلقائيا بإبرام عقد الزواج أو بإلغائه أو بتغيير جنسية الزوج أثناء الزواج، والغرض من هذه الاتفاقية هو تحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين في مسألة المرأة المتزوجة.
· اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج : أقرتها الجمعية العامة في 7 نونبر 1962 وهي تؤكد على حرية الإختيار في الزواج والقضاء على زواج الأطفال، وكذلك ضرورة إنشاء سجل لتدوين حالات الزواج [5].
· اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: أبرمت هذه الاتفاقية في بكين سنة 1979 برعاية الجمعية العامة والتي دخلت حيز التنفيذ 1981 وتعتبر هذه الاتفاقية على درجة كبيرة من التطور نحو تحسين وضعية المرأة، وقد أكدت على مبدأ جواز التمييز أيان كان أساسه، وتناولت العديد من الحقوق منها ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي[6].
· مؤتمر مكسيكو شي لسنة 1975: في الفترة ما بين 1976- 1985 أكدت الأمم المتحدة على أن هذه الفترة يجب أن تكون كافية لتحقيق الأهداف الثلاث المتمثلة في المساواة والتنمية والسلم، والذي أقر بالمساواة بين المرأة والرجل في المجال القانوني، أيضا على مستوى الحقوق والواجبات ذلك من خلال إشراك المرأة في التنمية، ومشاركتها في مراكز وصنع القرار على جميع المستويات. كما فسر المؤتمر التنمية على أنها التنمية الكاملة بما في ذلك الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرها من أبعاد الحياة الإنسانية[7].
· مؤتمر كوبنهاكن سنة 1980 : لقد استعرض هذا المؤتمر التقدم المحرز في تنفيذ توصيات مؤتمر مكسيكو شي بعد مرور خمس سنوات، كما طالب جميع الدول المنظمة إلى الأمم المتحدة على التوقيع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكذلك تحسين فرص حصول المرأة على التعليم وخدمات الصحة [8].
· مؤتمر نيروبي 1985: عقد هذا المؤتمر بمدينة نيروبي بكينيا، ومن خلاله تم استعراض المنجزات التي تم تحقيقها ودراسة جميع العوائق التي حالت دون تنفيذ كل الخطط والأهداف التي وضعت من قبل. وصدر عن هذا المؤتمر ما سمي بـ: "استراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة حتى عام 2000"، والتي دعت إلى إنشاء آليات وطنية لمتابعة تنفيذ مسار الاستراتيجيات وأهدافها.
· مؤتمر بكين 1995 : تم الإقرار بالحقيقة القائلة بأنه بعد عشر سنوات من مؤتمر نيروبي لا تزال مشاكل المرأة في مجملها تنتظر الحلول، بالرغم مما شهده العالم من تغييرات من نيروبي 1985 إلى بكين 1995 خصوصا في مجال العلاقات الدولية، ونتيجة لثورة الاتصالات الحديثة مما يهيئ للمرأة فرصا للمشاركة في ميدان الاتصالات ونشر المعلومات المتعلقة بشؤونها. وقد بينت الإحصائيات المعتمدة عشية الاحتفال بالسنة الدولية للأسرة عام 1994 أن ربع الأسر في العالم ترأسها النساء، عدا مساهمة المرأة في تحسين معيشة الأسرة. لذا حدد منهاج عمل بكين مجالات الاهتمام الحاسمة بشؤون المرأة باثني عشر (12) مجالا وحدد لها أهدافا استراتيجية تسهل مهمة تنفيذها، ومنها مثلا : عبء الفقر على المرأة وعدم المساواة في الخدمات الصحية والقضاء على العنف الموجه للمرأة بأنواعه وعدم المساواة في الهياكل السياسية والاقتصادية[9].
أما على المستوى الوطني، فقد صادق المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1993، واكب هذا التصديق مجموعة من التحفظات والتصريحات التالية:
· تصريحات تهم المادة 2 والفقرة الرابعة من المادة 15، بحيث يلتزم المغرب بتنفيذها شرط ألا تخل على الخصوص بالمقتضيات الدستورية التي تنظم توارث العرش بالمملكة، وألا تكون منافية لأحكام الشريعة الإسلامية؛
· تحفظات تهم الفقرة الثانية من المادة 9 والمادة 16 والتي تتعلق على التوالي بتنفيذ قانون الجنسية المغربية الذي لا يسمح بأن يحمل الولد جنسية أمه، وكذا تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحكم قانون الأحوال الشخصية، وخصوصا منها ما يتعلق بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه؛
· التحفظ على المادة 29 بشأن اللجوء إلى التحكيم لحل الخلافات الناجمة عن تأويل أو تطبيق الإتفاقية.
وتزامنا مع الاحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أعلن الملك محمد السادس في الرسالة التي وجهها إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في 10 دجنبر 2008 سحب بعض التحفظات المسجلة بشأن الإتفاقية موضحا بأن هذه التحفظات أصبحت متجاوزة، بفعل التشريعات المتقدمة التي سنها المغرب[10]. ولو أن هذه التحفظات لم ترفع بشكل رسمي حتى 2 غشت 2011 عبر إعلان رسمي مقتضب في الجريدة الرسمية، وهي الخطوة التي كانت حاسمة في مسار حقوق المرأة المغربية، بعد أيام قليلة من دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ الذي أقر سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية حيث نص في الديباجة على جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة وهويته الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلب تلك المصادقة. وهذا إن دل فإنه يدل على الإرادة الفعلية للمغرب لملاءمة التشريعات الوطنية بالاتفاقيات الدولية وتعزيز حقوق المرأة داخل الترسانة الوطنية.
من هذا المنطلق، يلاحظ أن المغرب استطاع، من خلال السنوات التي تلت مصادقته على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، تحقيق طفرة جد نوعية في ملائمة المرجعية القانونية الوطنية مع التزاماته الدولية في مجال حقوق المرأة، وبالذاث بعد المبادرة التي اتخذها برفعه للتحفظات على مجموعة من المواد في الاتفاقية، والتي تعتبر إشارة قوية على الرغبة في استمرار العمل في أفق استكمال الملاءمة التامة للقوانين المنظمة للوضعية القانونية للمرأة مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق المرأة[11].
وباستقراء مجموعة من التشريعات الوطنية بالمغرب، يبدو أن المسار نحو التمكين السياسي والاجتماعي للمرأة، يجد له بعض المداخل الهامة نحو تحسين الوضعية الراهنة، ومن ذلك أن أسمى قانون بالمملكة يتحدث عن عدة مقتضيات دستورية هامة، لا يمكن إلا اعتبارها ذات وقع إيجابي على حقوق النساء المغربيات، فالدستور الحالي ينص على المساواة بين المرأة والرجل باعتبارها مبدأ مؤسسا لدولة الحق والقانون وهي خطوة كبيرة في اتجاه تعزيز حقوق المرأة في جميع المجالات، حيث لم يكتف بذكر المساواة فقط، وإنما تطرق إلى ذكر هيئة لضمان تنفيذها، حين نص فب الفصل 19 على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. وعلى أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة أشكال التمييز.
ومنه جاء الفصل 32 لينص على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة، لتدبير قضايا المرأة والأسرة في سياق تفاعلات التي تصاعدت وتيرتها خلال العقد الأخير وفي سياق رسم عدد من المحددات الدستورية التي ستؤطر قضايا المرأة إذ نص الدستور على أن الأسرة هي تلك الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي، وهي الخلية الأساسية للمجتمع.
واستكمالا لهذه المقتضيات الدستورية الهامة، ورغبة في النهوض بوضعية المرأة على مستوى باقي التشريعات الأخرى، بدل المغرب مجموعة من المجهودات القانونية والمؤسساتية الرامية أساسا للتمكين السياسي والاجتماعي للنساء، وفي هذا الصدد أقدم المشرع المغربي على اختلاف درجاته ومسؤوليته، بتبني مجموعة كبيرة من التعديلات همت مجالات شتى أهمها: الأسرة والسياسة والتجارة، والشغل والجنسية والزواج والطلاق.
وقد كان صدور مدونة الأسرة سنة 2004 برهانا حقيقيا على مدى جدية الخطوات المتخذة في مجال حقوق المرأة، عبر تكريس مبدأ المساواة بين الزوجين خلال الحياة الزوجية في إطار من التكامل والمعاشرة بالمعروف. إذ انصبت هذه المساواة على توحيد سن الزواج بالنسبة للرجل والمرأة في 18 سنة، فالمادة 19 تنص بصريح العبارة على أنه: "تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمانية عشرة سنة شمسية". وهو نفس الإجراء الذي هم السن القانوني المشروط في البنت أو الولد المحظونين لاختيار الحاضن، والمحدد في 15 سنة[12].
كما عملت مدونة الأسرة على صيانة حقوق المرأة على المساواة في إبرام عقد الزواج وكذا اكتساب الأهلية، انسجاما مع حرية الرضا ومبدأ الإيجاب والقبول، حين ألغت الولاية على الفتاة الراشدة وأعطتها الحق في ممارستها حسب اختيارها ومصلحتها، فلا يتصور إجبار المرأة على الزواج بغير ما ارتضته بالمعروف، وفق ما هو منصوص عليه بموجب المادة 51 من حقوق وواجبات متبادلة بين الطرفين حتى فيما يتعلق بالذمة المالية لكليهما، بغية تفادي أي مشكل يثور بين الزوجين في المستقبل حول نصيب كل واحد منهما في الثروة التي يكتسبانها خلال حياتهما الزوجية، حيث تنص المادة 49 على القواعد التي تحكم هذه العلاقة درءا لكل نزاع محتمل "لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر "[13].
ومن القضايا التي كانت مثار جدال بين مختلف الفاعلين في المجتمع، قضية إنهاء الرابطة الزوجية. ففي مقابل الطلاق الذي يحوزه الزوج، وسع المشرع من حق المرأة في طلب التطليق، هكذا تستطيع الزوجة طلب التطليق في الحالات التالية: الضرر، عدم الانفاق، الغيبة والعيب والإيلاء، والهجرة، والإخلال بأحد الشروط الإتفاقية في العقد، فضلا عن الطلاق الإتفاقي والخلع والتمليك. ولربما هي المقتضيات التي أصبحت في حاجة لإعادة النظر حاليا، خاصة في ظل الحديث في الآونة الأخيرة على ضرورة تعديل هذا النص القانوني الهام، تداركا لما به من نقائص وعيوب أبانت عنها التجربة والممارسة العملية بعد مضي حولي 18 سنة[14].
أما بالنسبة للمنظومة الجنائية المغربية، فإن مجمل التعديلات التي تضمنتها مسودة القانون الجنائي الجديد بالمغرب، تصب غالبيتها في رفع التمييز وحماية حقوق المرأة من أي انتهاك، ومن ذلك أنه جرى تجريم التمييز على أساس الجنس وعلى أسس أخرى كالعرق والأصل والدين، وتجريم كل أنواع العنف المرتكب بما فيها الاعتداء والتحرش الجنسي حسب الفصل 503، واستغلال النساء في الدعارة والسياحة الجنسية حسب الفصل 501، إضافة لعدم انتهاك حرمتهن أثناء إجراء التفتيش الجسدي، وتفتيشهن من قبل امرأة. كما جرى إعفاء المرأة من إذن المحكمة الذي كان مفروضا عليها بنص الفصل 336 من قانون المسطرة الجنائية القديم، إذا أرادت أن تنتصب كمطالبة بالحق المدني في مواجهتها لزوجها، علاوة على إعفاء الأطباء ومساعديهم من إلزامية السر المهني للتبليغ عن أي عنف في مواجهة المرأة أو الطفل يصل إلى علمهم حسب منطوق الفصل 446، هذا إلى جانب المقتضيات الموجودة في النص الحالي والتي من أبرزها، الجنايات والجنح المرتبطة بالعنف ضد النساء، وضد الزوجة المنصوص عليها في الفصل 404، والمقتضيات الخاصة بإهمال الأسرة في الفصل 478[15].
وعلى مستوى قانون الجنسية، فقد تمت صياغة الإرادة الرسمية في المساواة بين الأب والأم في نقل الجنسية إلى الأبناء في مشروع قانون رقم 62 لسنة 2006 وهو المشروع الذي تمت المصادقة عليه وصدر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير رقم 1.07.08 المؤرخ بتاريخ 23 مارس 2007 [16]. وقد ارتكزت مقتضيات هذا القانون على أبعاد حضارية وإنسانية، من خلال التأكيد على الإرادة الحقيقية لإعمال حقوق الإنسان في مفهومها الشامل المبني على مبدأ المساواة وصيانة الهوية المغربية الأصيلة والتشبث بثوابتها ومقدستها باعتبار أن الجنسية، أولا وقبل كل شيء، رمزا للهوية المغربية، في التزام تام بما تنص عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في بعدها الشمولي والإنساني[17]. ومنه يكون هذا القانون قد أنهى التمييز الذي طال المرأة المغربية بخصوص حقها في نقل الجنسية لأبنائها وجاء نص التعديل على الشكل التالي: "يعتبر مغربيا الطفل المولود من أب مغربي وأم مغربية ".
أما على مستوى مدونة الشغل، فإنها جاءت لتشير، ولأول مرة في تاريخ تشريع الشغل المغربي، صراحة، عن إنهاء التمييز الذي كانت تعاني منه النساء العاملات فيما قبل، وجاء القسم الثالث من المادة 9 بصيغة منع التمييز فيما يخص إبرام عقد الشغل، حين نصت على ما يلي: "يمنع كل تمييز بين الأجراء"، وهو المقتضى الذي بموجبه أصبح للمرأة الحق في إبرام عقد الشغل بكل حرية. وقد ركزت المدونة على مبدأ عدم التمييز لتحقيق أساس تكافؤ الفرص في مواد أخرى أهمها المادة 478 جاءت تحت اسم: "الوساطة في الاستخدام وتشغيل الأجراء"، ومكررة بذلك أحكام المادة 9 التي نصت على ما يلي: "يمنع على وكالات التشغيل الخصوصية كل تمييز يقوم على أساس العرف أو اللون أو الجنس أو الذين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي من شأنه المس بمبدأ تكافؤ الفرص والمعاملة في ميدان الشغل".
كما تطرقت نفس المدونة في المادة 346 صراحة لمنع كل تمييز في الأجر بين الرجل والمرأة، حين نصت على منع كل تمييز في الأجر بين الجنسين، إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه. وهو المقتضى الذي يجد سنده في مختلف الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والتي أصبحت بفعل ذلك جزأ لا يتجزأ من تشريعه الداخلي. ينضاف إلى ذلك ما تم إقراره في مجال حماية الأمومة، تم رفع رخصة الولادة إلى 14 أسبوعا حسب مقتضيات المادة 158، علاوة على حق توقيف سريان عقد الشغل، وتمديد فترة الغياب لما بعد 14 أسبوعا إلى 22 أسبوعا، كحد أقصى إذا كان سبب تمديد الغياب راجع لمرض نابع عن الحمل أو الولادة، كما تتمتع المرأة الأجيرة على مدى 12 شهرا باستراحة خاصة لإرضاع مولودها لمدة نصف ساعة في صباحا و نصف ساعة ظهرا، يؤدى عنها الأجر[18].
في هذا السياق وتفعيلا للاتفاقية الدولية رقم 183 بشأن مراجعة اتفاقية حماية الأمومة المعتمدة من قبل المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، التي صادق عليها المغرب وتم نشرها بالجريدة الرسمية عدد: 6098 بتاريخ 8 نونبر 2018، التي تنص في الفقرة الأولى من المادة العاشرة المتعلقة بالأمهات المرضعات، أصدرت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، المنشور رقم: 01/2018 بتاريخ: 07 غشت 2018 يقضي بالسماح للموظفات بالإدارة العمومية من الاستفادة من فترة أو فترات توقف يومية أو على تخفيض ساعات العمل اليومية لإرضاع طفلها رضاعة طبيعية.
وقد حددت الوزارة مدة رخصة الرضاعة ساعة واحدة في اليوم لمدة 18 شهرا، ابتداء من تاريخ استنفاذ رخصة الولادة المحددة في 14 أسبوعا بالنسبة للمرأة الموظفة والمتعاقدة والمستخدمة، مع مراعاة خصوصية كل قطاع فيما يخص مواقيت العمل[19].
ويبقى كنه الحديث بعد ما سبق قيله، أن مسؤولية النهوض بأوضاع النساء أصبحت اليوم مسؤولية مشتركة، بين الهيآت الرسمية المكلفة بأوضاع المرأة من جهة، والجمعيات النسائية خاصة والمجتمع المدني بصفة عامة من جهة ثانية، كما تعتبر كل المبادرات التشريعية والإجرائية التي اعتمدها المغرب من أجل الرقي بأوضاع النساء خطوات إيجابية على مستوى مسار الملائمة، غير أن الإقرار الفعلي بحقوق المرأة كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، يجعلها ترتبط بالمسار العام لبناء دولة الحق والقانون، والتي يعد من أهم عناصرها تعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان بصفة عامة، والمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق السياسية والمدنية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصفة خاصة، وهذا ما تم تكريسه في دستوريا بالتنصيص على سمو القانون الدولي لحقوق الإنسان على القوانين الوطنية.
وبصرف النظر عن كل ما سبق ذكره من مجهودات في مجال النهوض بوضعية المرأة المغربية تشريعا وممارسة، فلا بد من الإشارة إلى أن النصوص القانونية تبقى دائما في حاجة إلى مزيد من الفعالية والتطبيق، نظرا لما تشهده الوضعية الحقوقية للنساء بالمغرب من ظواهر سلبية مختلفة، من شأنها أن تفرغ كافة الجهود المبذولة من محتواها. هنا لا بد من التنبيه إلى ما تعانيه النساء العاملات في المصانع من ظروف عمل قاسية تحرمهن في أغلب الحالات من بعض الحقوق الطبيعية، كحق الأمومة وحق الرضاعة، بل وأحيانا حتى الحق في النوم والأكل والراحة، إضافة إلى التمييز والتهميش الذي تتعرضن له في ميادين عديدة من غير الشغل، خاصة حين يكن عرضة للتعنيف أو ضحايا الاعتداءات الجنسية والجسدية والمعنوية. ويبقى التساؤل دوما مطروحا حول آفاق حقوق المرأة المغربية على ضوء ما تم تحصيله إلى حدود الآن. فكيف هي حصيلة هذه الحقوق وما هي آفاق النهوض بها؟[20]
ثانيا: آفاق حقوق المرأة بالمغرب بين اختلالات المشهد ومساعي الإصلاح
إن ما تم تحقيقه من مكتسبات مغربية على المستويين التشريعي والمؤسساتي، لا يمكن أن يستقيم إلا إذا ما توافرت إرادة تفعيل ما تم إقراره والتصريح به عبر وضع آليات تفعيل تراعي جوهر وروح ما تم التنصيص عليه في الدستور المغربي لسنة: 2011، خاصة على مستوى مبدأ المساواة بين الجنسين من جهة، ومن جهة أخرى بالانتقال إلى تبني مقاربات وأدوات تساعد من خلال إدماجها في البرامج والمشاريع التنموية على تحقيق تكافؤ الفرص بين النساء والرجال للاستفادة من ثمار هذه المجهودات، الشيء الذي سيساهم في إتاحة إمكانية التمتع بكافة الحقوق كما هي منصوص عليها في قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
إلا أن ما يمكن الإشارة إليه كمقترحات بالنسبة لتحسين وضعية حقوق المرأة بالمغرب أكثر فأكثر، يتعلق بمستويات عديدة يتداخل فيها ما هو مؤسساتي مع ما هو قانوني، سواء من وجهة سياسية أو اجتماعية.
فعلى مستوى المنظومة القانونية، فيبقى من الهام وضع آلية مؤسساتية وطنية لتنسيق كافة التدخلات الحكومية في مجال النهوض بوضعية المرأة، مع تقوية اختصاصات السلطات الحكومية والقضائية المعنية وتمتيعها بالاستقلالية وتوفير الموارد البشرية والمالية اللازمة لاشتغالها، وتوحيد الاستراتيجيات الوطنية في مجال مناهضة العنف ضد النساء وتأهيلهن. وهو ما يقتضي ضرورة إعادة النظر في جملة من القوانين التي تعنى بالمرأة بصفة عامة، سواء كانت ذات طابع زجري أو ذات طابع تنموي.
وباستقراء الجوانب التي أغفلها قانون مكافحة العنف ضد النساء، والتي ما يزال المجال مفتوحا لتداركها من خلال ورش إصلاح القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وعدة تشريعات أخرى، أن تعريف الاغتصاب الوارد حاليا في القانون الجنائي أصبح متجاوزا لأن المعايير الدولية تفرض ضرورة أن يكون شاملا دون تحديد للنوع الاجتماعي، ومتضمنا لجميع أشكال الاعتداء الجنسي بالإكراه على أي جزء من جسد الضحية، بما في ذلك الإيلاج باستخدام أدوات، وأن يشمل أيضا الاغتصاب الزوجي، كما ينبغي إعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بجريمة هتك العرض باستعمال العنف التي يبقى وصفها غير دقيق وواسع يتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية، الذي يفرض ضرورة التفسير الضيق للنص الجنائي، خاصة وأن جريمة هتك العرض في التشريع الحالي تتراوح بين مجرد القبلة والعلاقة الجنسية الكاملة التي تتم دون الإيلاج المهبلي.
ومن المقترحات كذلك، تظهر أهمية إلزامية التحقيق في جرائم العنف ضد المرأة، وتمديد نطاق قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، ليشمل جرائم العنف ضد النساء، وإدراج مقتضى يقضي بتمتيع الضحايا والناجيات من العنف بالمساعدة القضائية بقوة القانون، بما في ذلك الحق في تنصيب محامي ومجانية مصاريف الدعوى، والتي تشمل نفقات التبليغ والخبرات التي تأمر بها المحكمة، الى جانب إحداث صندوق ائتماني لصرف معونات ومساعدات مالية للضحايا والناجيات من العنف اللواتي لا يتوفرن على دخل قار ويوجدن في وضعية صعبة، وفرض إلزامية التبليغ على جرائم العنف ضد المرأة.
وتجدر الإشارة كذلك، إلى ضرورة إلغاء كافة أشكال التمييز المتعلقة باستفادة النساء من الملكية العقارية وخاصة الأراضي الجماعية، عبر الحرص على استفادة النساء السلاليات من نصيبهن، وإدراج أسمائهن ضمن لوائح ذوي الحقوق كما اشترطت ذلك النصوص القانونية الجديدة.
في حين أنه بالنسبة للحالة المدنية يجدر استبدال تسمية "كناش الحالة المدنية" بـ: "كناش الأسرة" مع إفراد صفحة خاصة بالزوجة كطرف مؤسس للأسرة على أساس تسلمه مباشرة مع عقد الزواج، تفاديا للإشكالات المتعددة التي يطرحها بالنسبة للنساء اللاتي يعانين من مشاكل زوجية سواء خلال فترة الزواج أو ما بعد الطلاق أو في خضمه.
وبالحديث عن مدونة الأسرة المغربية، فلابد من إعادة النظر في إذن القاضي بتزويج القاصرين من هم دون 18 سنة، وإقرار المساواة بين الأم والأب في النيابة الشرعية على الأبناء، وعلى حق المرأة المطلقة في نصف ممتلكات الأسرة المتراكمة خلال الحياة الزوجية. إلى جانب إقرار المساواة في مساطر الطلاق عبر إلغاء جميع البنود التي تكرس التمييز بين الرجال والنساء، ثم إخضاع أية مخالفة لمقتضيات قانون الأسرة لعقوبات زجرية صارمة، خاصة تلك التي أوجدت للحفاظ على شمل بيت الزوجية.
وبالرجوع إلى المنظومة الجنائية، فينبغي مكافحة الاتجار المنظم بالنساء والأطفال، بما في ذلك الاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي، وإنتاج المواد الإباحية والبغاء والسياحة الجنسية وغيرها، والسعي إلى القضاء عليها، ومحاكمة ومعاقبة كافة المسؤولين عنها. والمصادقة على بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وتقديم الخدمات القانونية والاجتماعية لضحايا الاستغلال المنظم للنساء والأطفال.
أما بالنسبة للمنظومة المؤسساتية، فعلى المغرب المصادقة على كافة الاتفاقيات الدولية والجهوية المعنية بحقوق المرأة، التي لم يصادق عليها بعد، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة، واتفاقية الرضا بالزواج وتحديد سن الزواج، وتسجيل عقود الزواج، والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية التي تهم حقوق المرأة وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص. مع وجوب رفع كل التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وملائمة كافة التشريعات المحلية مع مقتضياتها، باستثناء تلك التي تتعارض مع المرجعية الإسلامية للتشريع المغربي.
في نفس السياق، يقترح إيلاء الاعتبار اللازم للنصوص التي لم تتخذ صورة اتفاقيات ومعاهدات كإعلان مناهضة العنف ضد النساء، وإعلان مؤتمر فيينا، وإعلان مؤتمر بكين وإعلان الحق في التنمية التي تندرج كلها في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان ولم تكتسي صبغة إلزامية.
ومنه، فإن الجهود المؤسساتية المبذولة في هذا الميدان لا يمكن أن تتم إلا إذا ما تم تدعيمها بمجموعة من الإجراءات الموازية، التي يقترح من بينها: وضع حد لسياسة اللاعقاب في جرائم العنف ضد النساء وحماية النساء ضحايا العنف وتقديم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي لهن والتكفل بإعادة إدماجهن في المجتمع، وتوفير العلاج والخدمات الصحية الجيدة والمجانية لهن. والاهتمام بالصحة الإنجابية للأمهات الحوامل وتعميم الوقاية الصحية، وضمان التغطية الصحية، والتكفل التام بأمراض سرطان الثدي وعنق الرحم، خاصة بالنسبة للنساء المعوزات. هذا بالموازاة مع الاهتمام بأوضاع الأمهات المتخلى عنهن ومن ضمنهن الأمهات العازبات، ووضع تدابير وقائية للحد من الظاهرة وحماية أطفالهن.
بصفة عامة، فإن ما سبق الحديث عنه من إجراءات تقتضي مواكبتها بمجموعة من التدابير اللازمة لتعزيز مكانة المرأة للمساهمة في اتخاذ القرار، من خلال مشاركتها في صنع القرارات المرتبطة بإدارة الموارد ووضع السياسات والبرامج المتعلقة بالتنمية ومحاربة الفقر، ضمانا لمبدأ المناصفة في النفاذ إلى كل المواقع والمراكز بغض النظر عن طبيعتها، والسياسات والآليات الكفيلة بتفعيل المساواة بين الجنسين في مختلف مراحل بلورة السياسات العمومية وإنجازها وتقييمها مع اعتماد مبدأ المساواة ومقاربة النوع الاجتماعي في تخطيط وإعمال الميزانيات الوطنية والجهوية والمحلية.
وهذا ما لا يمكن تحقيقه بالمغرب إلا عبر الإجماع على هدف المساواة من منطلق تجميع كل مكونات الحركة النسائية الديمقراطية وتوحيد الجهود ومواصلة النضال حول قضية المناصفة التي لا تقل أهمية عن القضايا الكبرى للدولة، باعتبار أن المرأة تمثل حجر الزاوية في أي تغيير ديمقراطي، مع الحرص على عدم ضياع حقوق النساء أو استثناءها من أي سياسة أو مخطط إصلاحي، على اعتبار أن ما تم تحقيقه في الوقت الراهن من مكتسبات وإنجازات متعددة، راجع بالأساس لحصيلة تاريخية متقدمة لنضالات مجموعة من الفعاليات السياسية والنقابية والجمعيات الحقوقية والحركات النسائية والحركات الأمازيغية وكل المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة المغربية، علما بأن الديمقراطية لا تستقيم دون إقرار المساواة والمناصفة، باعتبارهما من الثوابت التي تترجم الاختيار الحداثي والديمقراطي لمغرب ما بعد دستور سنة: 2011.
وتجدر الإشارة فيما يتعلق بالحقوق السياسية للنساء، أن هذه الأخيرة يلاحظ أنها كانت مضمنة في التشريع المغربي منذ السنوات الأولى للاستقلال، إذ حرص أول دستور للمملكة المغربية لسنة: 1962 على تضمين تلك الحقوق للرجال والنساء دون تمييز، كما أعقب ذلك المصادقة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة منذ أواسط السبعينات وبالضبط سنة: 1976، وتم في سنة: 2008 رفع التحفظات على بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولا سيما المادة الثانية التي تخص المساواة بين الرجل والمرأة في التشريعات الوطنية، وكذا المادة السادسة عشر التي تشمل المساواة في الزواج والعلاقات الأسرية.
وفي العقدين الأخيرين، وقع تطور كبير في اتجاه تعزيز المساواة والمناصفة بين الجنسين، فدستور فاتح يوليوز 2011 أقر في الفصل التاسع عشر منه ضرورة تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وأكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، كما تم إحداث هيئة دستورية تشتغل في هذا المجال هي هيئة المناصفة ومكافحة كل اشكال التمييز بموجب الفصل 146.
والملاحظ أيضا، أن مشاركة النساء بدأت تشهد تطورا تصاعديا، بعد أن كانت تتسم بالبطء في وثيرة هذا التطور وبالتردد في نوعيته، وذلك إلى غاية الألفية الثانية التي شهدت مشاركة أكثر كثافة. فإذا كانت سنة: 1993 قد شهدت وصول المرأة للبرلمان بنائبتين، فإنه منذ سنة: 2002 تحسنت مواقع النساء في المؤسسات المنتخبة، فقد خصتها القوانين الانتخابية ب 30 مقعدا ضمن اللائحة الوطنية، ونجحت 5 نائبات في الفوز في اللوائح المحلية، وبذلك شكلن 11% من مجموع أعضاء مجلس النواب المصوت عليه بتاريخ 27 شتنبر 2002. وكانت هذه النتيجة قد جعلت المرأة المغربية في طليعة النساء العربيات اللواتي اندمجن في الحياة السياسية لبلدانهن، حيث تم التنويه بها من قبل المنظمات والهيئات الدولية.
لتصل التمثيلية السياسية للنساء في الاقتراع الأخير بالمغرب يوم 7 أكتوبر 2016، إلى ما مجموعه 81 منتخبة منهن 10 مرشحات انتخبن برسم الدوائر الانتخابية المحلية، و60 برسم الجزء الأول من اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، و11 شابة برسم الجزء الثاني من اللائحة الوطنية المخصصة للشباب. مقابل 67 نائبة لسنة: 2011 منهن 60 برسم الدائرة الانتخابية الوطنية و7 برسم الدوائر الانتخابية المحلية[21]. ويعزى التقدم النسبي للمشاركة النسائية إلى القوانين الانتخابية الجديدة التي خصت تمثيلية النساء بالكوطا[22]، كما تم إحداث صندوق لتقوية قدرات النساء التمثيلية وذلك بتشجيع الأحزاب السياسية لدعم ترشيح النساء.
أما فيما يخص ولوج النساء إلى مراكز القرار العمومي، فإن التجربة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية أظهرت من خلال التشكيلة الحكومية الحالية تراجعا كبيرا في اعتماد مقاربة النوع لتقلد المناصب العليا، حيث لم تحض النساء في المناصب الوزارية مثلا إلا بأربعة حقائب من أصل أربعة وعشرين حقيبة وزارية. ولعل هذا الواقع ليس غريبا عن بنية وثقافة الأحزاب السياسية المغربية التي تظل ذكورية، حيث تهميش المرأة في الولوج إلى المواقع السياسية سواء على مستوى الوزارات أو القيادات الحزبية نفسها (أمناء الأحزاب والنقابات غالبيتهم ذكور باستثناء الحزب الاشتراكي الموحد) أو على مستوى القواعد، حيث ينظر إلى المرأة كقوة انتخابية لا غير.
وعلى الرغم من التقدم المسجل في عدد النساء اللائي ولجن البرلمان من بوابة نظام الكوطا، واعتماد اللائحة النسائية، واشتراط تمثيل النساء في لوائح الشباب، إلا أن تمثيلهن ما زال ضعيفا في مراكز القرار مقارنة مع بلدان الجوار، وبرأي المنظمات النسائية، فإن الرهان على تحقيق المناصفة لم يتحقق، إذ ظل المنطق الذكوري مهيمنا في الأغلبية الساحقة للتعيينات في المناصب العليا، بمبررات غير مقنعة، والتي تتجاهل وجود الكفاءات النسائية في مختلف المجالات والقطاعات، وتسعى الحكومة بشكل محتشم إلى تدارك الأمر، من خلال تعيين نساء في مراكز القرار، التي ظلت حكرا على الذكور[23].
يستفاد مما سبق، أن دستور 2011 والقوانين والتدابير المتخذة في السنوات الأخيرة، ساهمت في ارتفاع حجم ووثيرة المشاركة السياسية للنساء، لكنه رغما عن ذلك يبقى ارتفاعا غير كاف للوصول إلى المناصفة، ولعل السبب وراء ذلك يكمن في مجموعة من العوامل والمعيقات البنيوية والمؤسساتية والثقافية التي تحكم المشهد النسوي في المجتمع المغربي، ومنها:
· تغليب المقاربة الكمية على حساب النوعية، على نحو لا يعطي صورة حقيقية عن مشاركة النساء في السياسة والمجتمع، والذي بمقتضاها تقاس المشاركة فقط بالعدد والنسب المئوية المحصل عليها، في مقابل إهمال الجانب الكيفي المتجسد في المردودية والقيمة المجتمعية المضافة، التي يمكن قياسها من خلال معرفة مدى تطور الأنماط الثقافية السائدة حول دور المرأة في الحياة العامة، ومدى حضور الوعي بالمساواة لدى النساء، ومدى الحرية التي تتمعن بها في اتخاذ القرارات على صعيد الأجهزة التقريرية(...). فقد أبانت بعض تجارب التسيير الجماعي على سبيل المثال أن النساء لا يلجأ إليهم إلا كورقة انتخابية وفي فترات التصويت على الحساب الإداري أو الميزانية أو تشكيل بعض اللجان، بينما عمليا لا يشاركن في صياغة المشاريع والبرامج؛
· استمرار تأثير الأنماط الثقافية للذكورة والأنوثة داخل الأحزاب على اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية وتموقعاتها السياسية، بفعل المنافسة القوية بين أطرها وقيادييها من أجل الظفر بمقعد وزاري على حساب مبادئ الكفاءة والاستحقاق والتمييز الإيجابي تجاه النساء، وهذا ما يفسر عدم تقدم أحزاب التحالف الحكومي بمرشحات نساء للاستوزار؛
· أن السعي لبلوغ نسبة تمثيلية مرضية للنساء في البرلمان لا يمكن أن يتحقق إلا بوضع إجراءات قانونية تمييزية تمييزا إيجابيا لفائدة النساء، في ظل عدم وجود رغبة كافية لدى الأحزاب السياسية المغربية لتفعيل مبدأ المناصفة، أو رفع التمثيلية على الأقل إلى الثلث، موضحة أن "الكوطا" هي عملية مرحلية، في انتظار أن يتحقق التمكين السياسي للنساء؛
· طغيان الثقافة الذكورية واستمرار تمظهرات التنشئة التمييزية والتقسيم الجنسي التقليدي للعمل(...)، وهي العوامل التي تعتبر المرأة غير مؤهلة فيزيولوجيا للمشاركة في الحياة العامة وللعمل السياسي ولولوج مراكز القرار ومشاطرة النساء ذاتهن لهذه المقولات بفعل عوامل التشريب والترسيخ التي تخضعن لها عبر مسلسل التنشئة الاجتماعية.