مقال بعنوان: قراءة في مستجدات طلب الرأي المسبق لإدارة الضرائب بخصوص الأرباح العقارية.
تحتل الضريبة على الأرباح العقارية مكانة هامة ضمن مدارج التشريع الضريبي المغربي، لكونها من بين الضرائب الرئيسية التي تضخ موارد مالية مهمة في ميزانية الدولة، نظرا لارتباطها بتداول إحدى العمليات العقارية المنصوص عليها بمقتضى المادة 61 من المدونة العامة للضرائب، كما تعد من بين أهم عناصر وعاء الضريبة على الدخل التي عرفت مند إحداثها مجموعة من التعديلات التي مست مختلف المقتضيات المنظمة لها، ومن بين أهم هذه التعديلات تلك التي جاءت بها المادة 06 من قانون المالية رقم 50.22 لسنة 2023، حيث تم بمقتضى المادة 234 المكررة أربع مرات من المدونة العامة للضرائب إحداث؛ "إجراء طلب الرأي المسبق للإدارة الضريبية فيما يتعلق بالضريبة على الدخل برسم الأرباح العقارية"، والذي دخل حيز التطبيق ابتداء من فاتح يوليوز من السنة الجارية.
ويجد أساس هذا الإجراء الجبائي الجديد سنده في توصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات لسنة 2019، التي دعت ضمن مبادئها الأساسية إلى العمل على توسيع مجال الاستشارة الضريبية المسبقة وتطوير اللجوء إلى المسطرة الخاصة بها، كما يجد سنده كذلك في المادة 17 من القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي الصادر قي 26 يوليو 2021، التي دعت إلى تعزيز مهام المشورة وإرشاد الملزمين.
غير أن هذا الإجراء الجديد عرف نقاشا واسعا بين مختلف الهيئات المهنية، وبعض الباحثين والمهتمين بالمجال الضريبي، مما دفع بالكثيرين إلى إثارة جملة من الأسئلة حول هذا الإجراء الجديد، نجد من أهمها؛ ما هو نطاق تطبيق طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية؟ وما هي الاستثناءات التي ترد عليه؟ وما هي شروط وإجراءات طلب هذا الرأي؟ ثم ما هي الإشكاليات التي يثيرها هذا الإجراء؟
للإجابة عن هذه الأسئلة سنعالج هذا الموضوع من خلال محورين؛ المحور الأول سنتناول فيه؛ نطاق وإجراءات طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية، ثم سنخصص المحور الثاني؛ لإشكاليات تطبيق طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية.
المحور الأول: نطاق وإجراءات طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية
أولا: نطاق تطبيق طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية
واستثنى المشرع بمقتضى الفقرة الثانية من البند الأول من المادة 173 من المدونة العامة للضرائب، من نطاق تطبيق إجراء طلب الرأي المسبق حالات الإعفاء المنصوص عليها في المادة 63 من نقس المدونة، وكذلك عمليات المساهمة بعقارات أو بحقوق عينية عقارية أو هما معا في أصل شركة أو هيئة التوظيف الجماعي العقاري المنصوص عليها قي المادتين 161 المكرر _ 2 و 161 المكررة أربع مرات من نفس المدونة.
ثانيا: إجراءات طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية
ثم يجب على الخاضع للضريبة أن يقوم ثانيا؛ بتوجيه طلب للرأي بطريقة إلكترونية إلى الإدارة الضريبية عبر بوابة: "Téléservices Simple - Simpl-IR Particulier"، الخاص بالمديرية العامة للضرائب، خلال الثلاثين يوما الموالية من تاريخ إنجاز الوعد بالبيع، كما يجب أن يتضمن هذا الطلب العناصر الأساسية المتعلقة بعملية البيع المزمع إنجازها، مرفقا بنسخة من الوعد بالبيع الذي قام بإبرامه، وكذلك بأوراق الإثبات المتعلقة بتحديد الضريبة أو الإعفاء منها، وكل وثيقة أخرى أو معلومة تبرر هذا الطلب.
وطبقا للفقرة الثالثة من نقس المادة 234، يقع على عاتق الإدارة الضريبية جواب الملزم الذي يعد بمثابة شهادة تصفية الضريبة أو إعفاء المعني بالأمر منها داخل أجل ستين (60) يوما الموالية لتاريخ التوصل بالطلب السالف الذكر ويظل هذا الجواب ساري المفعول لمدة ستة (6) أشهر.
وإذا احترم الخاضع للضريبة على الأرباح العقارية هذا الإجراء، وقام بعد التفويت بإيداع إقراره طبقا لأحكام المادتين 83 و 173 من نفس المدونة يعفى من المراقبة الجبائية.
غير أنه في حالة مخالفة الملزم لهذا الإجراء يمكن أن يكون الإقرار الذي تم إيداعه موضوع تصحيح ضريبي طبقا لأحكام المادة 224 من نفس المدونة، مع أدائه بصورة تلقائية وبصفة مؤقتة لدى قابض إدارة الضرائب الفرق بين مبلغ الضريبة المصرح به و5 %من ثمن التفويت طبقا للمادة الفقرة الثانية من البند الأول من 173 المشار إليها أعلاه.
ومن أجل ضمان تنفيذ هذا الإجراء؛ ألزم المشرع من خلال المادة 139 من المدونة العامة للضرائب وفق تعديلات قانون المالية لسنة 2023، المهنيين الذين يزاولون مهام التوثيق، إطلاع الخاضعين للضريبة على الأرباح العقارية على هذه المستجدات من خلال إشعارهم ضمن بنود العقد بضرورة سلوك إجراء طلب الرأي المسبق لضريبة الأرباح العقارية، وأن يبين لهم كذلك جزاءات مخالفة هذا الإجراء.
المحور الثاني: إشكاليات تطبيق طلب الرأي المسبق للضريبة على الأرباح العقارية
إذا كان إجراء طلب الرأي المسبق للإدارة الضريبية فيما يتعلق بالضريبة على الأرباح العقارية، يعتبر إجراء جبائيا جديدا جاء به المشرع لضبط المعاملات العقارية والإسهام قي الحد من النزاعات الناشئة عن ضريبة الأرباح العقارية، إلا أن المقاربة التي اعتمدها المشرع لتنظيم هذا الإجراء تثير مجموعة من الإشكاليات نبين أهمها:أولا: إن أول ما يمكن إثارته من خلال القراءة المتأنية لمقتضيات المادة 234 المشار إليها أعلاه؛ نجد أن المشرع عندما ألزم الخاضع للضريبة بانجاز وعد ببيع مع الطرف المشتري قصد الحصول على شهادة تصفية ضريبة الأرباح العقارية، يكون قد خالف الطبيعة القانونية لبعض التصرفات العقارية _ التي تقرض عليها الضريبة على الأرباح العقارية _، التي يعتبر فيها الوعد بإبرام التصرف باطلا؛ ونحو ذلك عقدي الهبة والصدقة طبقا للمادتين 277 و291 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
ثانيا: ومن جهة ثانية؛ نجد أن المشرع رغم أنه بمقتضى الفقرة الثانية من البند الأول من 173 المذكورة أعلاه، استثنى مجموعة من الحالات من نطاق تطبيق طلب الرأي المسبق للإدارة الضريبية، إلا أن ذلك لا يعني إعفاء الخاضع للضريبة من إيداع إقراره طبقا للمادة 83 من المدونة العامة للضرائب، كما لا يعني إعفائه من إجراء طلب الرأي المسبق، في ظل وجود مجموعة من حالات الإعفاء التي تكون دائما محل نزاع بين الملزم والإدارة الضريبة أمام القضاء، نظرا لغموض المقتضيات القانونية المنظمة لها.
ثالثا: إن ما يثير الانتباه كذلك من خلال المقتضيات المنظمة لإجراء طلب الرأي المسبق، أن المشرع حينما رتب على مخالفة الملزمين الذين لا يطلبون الرأي المسبق لإدارة الضرائب، أو الذين لا يختارون التصريح بناء على شهادة التصفية، جزاء جبائيا، ورغم أن هذا الجزاء يشكل ضمانة مؤقتة لدى الإدارة الضريبية يمكن للخاضع للضريبة استردادها أو استرداد جزء منها بعد سلوك مسطرة الاسترداد، فإن المشرع المغربي يكون قد انحرف عن المفهوم الحقيقي لطلب للاستعلام الضريبي كما نظمته جل التشريعات المقارنة والتي اعتبرته من بين الحقوق الجبائية الحديثة التي تمكن الخاضعين للضريبة من معرفة النظام الجبائي الذي سيطبق عليهم أو على تصرفاتهم دون تقييده بأي إجراء مسبق أو أن ترتب عليه أي جزاء جبائي.
رابعا: وبهذا الصدد؛ يبدو أن هذا الإجراء الجبائي الجديد، يتنافى كذلك مع التوجه الذي سبق للمشرع المغربي أن عبر عنه من خلال المادة 234 المكررة ثلاث مرات من المدونة العامة للضرائب، المحدثة بمقتضى البند الثاني من المادة 08 من قانون المالية لسنة 2018 بشأن إجراء "طلب الاستشارة الضريبية المسبقة" الخاص بالشركات والمقاولات الكبرى في معرفة النظام الجبائي المطبق على وضعيتهم على ضوء أحكام التشريع الضريبي، حيت اعتبر المشرع اللجوء لهذا الإجراء أمرا اختياريا ولم يقيده بآي جزاء جبائيا.
خامسا: إذا كانت غاية المشرع من سن هذا الإجراء تتمثل في ضبط المعاملات العقارية، والحد من المنازعات الضريبية، ومحاربة التهرب الضريبي، إلا أن تقييده بإجراءات ابتدائية طويلة وشبه معقدة وربطه بجزاء جبائي، وكذلك في ظل الغموض الذي يشوب المادة 234 المذكورة فيما يتعلق بسكوت النص عن عدم جواب الإدارة بعد توصلها بطلب الرأي المسبق، سيساهم هذا الإجراء بلا شك في تقويض تداول الملكية العقارية وباقي الحقوق العينية العقارية، وسيؤثر بشكل سلبي على تحفيز وتشجيع الاستثمار العقاري، كما سيؤدي إلى نفور الملزمين من الامتثال الضريبي.
وعلى سبيل الختم؛ يتضح من خلال مدارج هذا الموضوع، أن المشرع المغربي اعتمد في إحداث طلب الرأي المسبق لضريبة الأرباح العقارية، على مقاربة المردودية الجبائية لأجل ضمان موارد مالية قارة لخزينة الدولة، كما اعتبره المشرع آلية من آليات مراقبة وعاء ضريبة الأرباح العقارية، إلا أن هذه المقاربة ستؤثر بدون شك على تداول الملكية العقارية وباقي الحقوق العينية العقارية مما سيؤثر على تحفيز وتشجيع الاستثمار العقاري، كما ستؤثر بشكل سلبي على مبدأ الامتثال الضريبي للملزمين الذي يعتبر أحد أسس العدالة الضريبية.
لذلك لابد من إعادة النظر في مقتضيات المادتين 234 المكررة أربع مرات و الفقرة الثانية من البند الأول منالمادة 173 من المدونة العامة للضرائب، وذلك بالنص على حرية اختيار الخاضع للضريبة في طلب الرأي المسبق لضريبة الأرباح العقارية دون تقييده بأي إجراء مسبق أو ترتيب أي جزاء جبائي على مخالفته، وجعله إحدى أهم الضمانات الفعلية للملزمين في مواجهة سلطة الإدارة الضريبية، حتى تتلاءم توجهات المشرع الضريبي مع أهداف الإصلاح الجبائي المنشود وتوجيهات النموذج التنموي الجديد.