رسالة بعنوان: الرياضة والتنمية الترابية الفاعلون والوظائف -دراسة مقارنة-
تعد الرياضة أحد الأنشطة الإنسانية المهمة فلا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات الإنسانية من شكل من أشكال الرياضة بغض النظر عن درجة تقدم أو تخلف هذا المجتمع ولقد عرفها الإنسان عبر عصوره وحضاراته المختلفة وإن تفاوتت توجهات كل حضارة بشأنها فبعض الحضارات اهتمت بالرياضة لاعتبارات عسكرية سواء كانت دفاعية أو توسعية والبعض الآخر يمارس الرياضة لشغل أوقات الفراغ وكشكل من أشكال الترويح بينما وظفت الرياضة في حضارات أخرى كطريقة تربوية حيث فطن المفكرون التربويون القدماء إلى إطار القيم الذي تحفل به الرياضة وقدرتها الكبيرة على التنشئة والتطبيع وبناء الشخصية الاجتماعية المتوازنة ناهيك عن الآثار الصحية التي ارتبطت منذ القدم بممارسة الرياضة وتدريباتها البدنية وهو المفهوم الذي أكدته نتائج البحوث العلمية حول الآثار الوظيفية والصحية على المستوى البيولوجي للإنسان[1].
لم تكن الرياضة بالمفهوم الشمولي للكلمة، وسيلة ترفيه وفرجة وتبار وتنافس على الألقاب والاستحقاقات كما هو شأنها في الوقت الراهن ومنذ قرون عديدة خالية؛ بل كانت أسلوبا من أساليب إعداد الرجال المقاتلين المدافعين عن حوض العشيرة والقادرين على فتح فضاءات جديدة شاسعة تؤمن العيش الرغيد والاستقرار المبنيين على القوة والبأس والهيمنة[2].
تحولت الرياضة إلى قوة منتجة في مجالات الصناعة والتجارة والتبادل التجاري والإعلام والتواصل، وحتى في مجالات العلم والمعرفة والبحث والاستكشاف، الرياضة أداة تعبير حضارية وثقافية ومرآة لتقدم المجتمعات وتطورها وهي دعامة أساسية للعلم والمعرفة والبحث العلمي في القضايا والتخصصات المرتبطة بالرياضة كالطب الرياضي وعلم النفس الرياضي وعلم الاجتماع الرياضي واقتصاد الرياضة والإعلام الرياضي...[3].
الرياضة عالم للربح والتجارة والاستثمار وليست فقط عالم للترفيه والتسلية واللعب[4] وهي مدخل حقيقي للاقتصاد الجهوي والوطني[5]، وللرياضة وظيفة أخرى تنضاف إلى ما سبق ذكره وهي الإسهام في تحقيق التنمية الترابية (تنمية الجهة والعمالة والإقليم والجماعة) وعلى هذا الأساس فإن محور دراستنا هاته من بدايتها إلى نهايتها كان محاولة لإبراز علاقة الرياضة بالتنمية الترابية أي محاولة قياس ما مدى قدرة الرياضة على تحقيق التنمية الترابية.
لقد ارتكزت البنية المفاهيمية للدراسة على ثلاث مفاهيم رئيسية أولها مفهوم الرياضة وثانيها مفهوم التنمية وثالثها مفهوم التراب.
أولا: مفهوم الرياضة
تعرف الرياضة في اللغة بأنها من مصدر راض يروض ورياضة المهر أي وطأها وذللها وطوعها، فهو رائض ويقال رضت المهر أروضه رياضا مروض فرس أو ناقة مروضة أي فرس أو ناقة قد ارتاضت والريض من الدواب التي لم تستتم رياضته فلم يقبل الرياضة ولم يمهر المشي ولم يدل لراكبه ويقال للمبالغة "روضت المهر أو روضت العروض فارتاضت" أي انقادت له ويقال أيضا فلان يراوض فلانا على أمر كذا أي يداريه ليدخله فيه وتراوض الرجلان أي تجاذبا في البيع والشراء وهو ما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان كأن كل واحد منهما يروض صاحبه وهو من رياضة الدابة، ويقال كذلك تراوض القوم في الأمر أي تناظروا فيه وهكذا يكون المعنى الأصلي لكلمة رياضة في اللغة العربية هو التذليل والمعالجة[6].
إن أصل كلمةsport من الفعل desporter والذي يعني في الفرنسية التلهي باللعب ويلاحظ أنها ظهرت في l’énéas وهي رواية أدبية في نهاية القرن 12 وفي القرن 16 أصبح الفعل desporter عند رابلي مرادفا للفعل لها. وفي إنجلترا ستتحول كلمة desporter بعد أن أدخلها إلى الفروسية (نظام عسكري إقطاعي) إلى disporter في القرن 14 ثم إلى «sport» .
وعلى مستوى الاصطلاح وبالرجوع إلى المعجم الفرنسي الخاص بالأنشطة البدنية والرياضية نجد أنه يتحدث عن تطور في التعاريف قبل أن يتم الاستقرار على تعريف موحد ففي سنة 1876 تم تعريف الرياضة بأنها تحتكم لثلاثة عناصر وهي الهواء الطلق والرهان والقيام بعدة حركات بالجسم قبل أن يتم تعريف الرياضة سنة 1949 على أنها تمارين بدنية تمارس بدون هدف نفعي وبفكرة مجابهة المصاعب الطبيعية والخصوم من أجل هزمهم ومواجهة منافسين من أجل التفوق عليهم ومقارعة مؤهلات موجودة من أجل تجاوزها وسنة واحدة بعد ذلك ظهر تعريف يحدد الرياضة في التمارين التي تهدف إلى تقوية العضلات والرشاقة والدقة والشجاعة خصوصا إذا مورست في الهواء وفي إطار مباراة وفي سنة 1980 تم تقديم تعريف مقتضب للرياضة على أنها نشاط رياضي يمارس على شاكلة ألعاب فردية أو جماعية باحترام لبعض القواعد[7].
وتوصف الرياضة كذلك بأنها حق من حقوق الإنسان يحتم على مؤسسات الدولة توفير مرافق رياضية لكافة أفرادها وعلى تنوع مستوياتهم[8]، وتختلف تعريفات الرياضة من باحث لآخر ومن حقل علمي لآخر حتى صرنا نسجل تعريفات خاصة للرياضة تنسب إلى المختصين في علم الاقتصاد وأخرى تنسب إلى المختصين في علم الاجتماع وأخرى إلى المختصين في علم القانون وعلوم الإعلام والتواصل وبالتالي فإن مفهوم الرياضة مفهوم مطاطي إن جاز هذا التعبير لا يمكن أن نجد له تعريفا جامعا مانعا ما دام يؤطر ظاهرة إنسانية وهذه الأخيرة تبقى نسبية وهكذا فإن التعريفات التي سنعطيها للرياضة اصطلاحيا تظل نسبية إلى حد ما ومن التعريفات التي يمكن إيرادها هذا السياق نجد؛ الرياضة وسيلة للنمو البدني والذهني وفرصة للمربي الناجح في اكتشاف ورصد صعوبة المستهدف من عمله التربوي فيعمل على علاجها وتقويتها وتنبني الرياضة على عدة أبعاد منها ما هو تطبيقي وهي من أحسن الطرق وأيسرها لتدريب الفرد على المهارات الاجتماعية والعلمية عن طريق اللعب ومنها ما هو ذهني يتمثل في تنشيط الدورة الذهنية وتوسيع وتنشيط التفكير وتقوية الذاكرة وتحسين سرعة البديهة وقوة الملاحظة[9].
وهناك من يعرف الرياضة بأنها وسيلة للتسويق الترابي والتعريف بمؤهلات المجال كما تعرف بأنها رأس مال رمزي يستطيع الفرد عبرها تعزيز مكانته الاجتماعية أو تحسين موقعه السياسي داخل الدولة وتعرف كذلك بأنها أداة للدعاية السياسية من خلال الترويج لهيمنة أيديولوجية سياسية دون أخرى، ففي عالم الرياضة انتصار بطل أمريكي يعادل انتصار وتفوق النظام الرأسمالي وقس على ذلك وتعرف أيضا بأنها وسيلة من وسائل الدبلوماسية الموازية نظير ما تقوم به في سبيل تذويب الخلافات الدولية عبر المصالحة ولو الوقتية مع الدول المتخاصمة فيما بينها وتعمل على ترسيخ قيم التسامح و الإخاء فيما بينها وأبرز مثال هو دورة الألعاب الأولمبية التي يجتمع فيها المستعمِر والمستعمَر تحت سقف واحد قوامه الروح الرياضية.
ثانيا : مفهوم التنمية
أ- في اللغة
تعني التنمية في اللغة الزيادة والتحسين والتوسع وتعني أيضا النمو وارتفاع الشيء وانتقاله من وضع إلى آخر ترجع لفظة التنمية في اللغة العربية إلى كلمة نمى بمعنى الزيادة والانتشار أي مأخوذة من نما ينمو بمعنى الزيادة في الشيء فيقال مثلا نما المال نموا[10]، وتعني كذلك النماء والكثرة والوفرة والمضاعفة[11]وبالعودة إلى معجم المعاني الجامع نجده يحدد لفظ التنمية في كونه اسم مصدره (ن.م.ى) بمعنى سعى إلى تنمية تجارته أي الرفع والزيادة في أرباحها ورأسمالها ويتفرع عن هذا الاسم فعل(نمى)، نمى، ينمي، انم، نماء، ونميا، فهو نام والمفعول منه للمتعدي ولكلمة نمى استعمالات متعددة في اللسان العربي فنمى المال أي زاد وكثر ونمى المال أي زاده وكثره ونمى الحيوان بمعنى سمن ونمى السعر أي ارتفع وغلا ونمى الحديث أي شاع وداع بين الناس ونمى الحديث إليه أي ذهب وارتفع، نمى الحديث إليه أي رفعه إليه وعزاه وأسنده إليه ونماه حسبه أي رفعه وأعلى شأنه ونمى الولد إلى أبيه أي نسبه إليه ونمى الماء أي طما ونمى الدواب أي تباعدت تطلب الكلأ ونمى الصيد أي غاب عن الصائد والسهم في جسمه[12].
ب- في الاصطلاح
استخدم مفهوم التنمية بداية في علم الاقتصاد للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغييرات الجذرية في مجتمع معين بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية حياة كل أفراده بمعنى زيادة قدرات المجتمع على الاستجابة للحاجيات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه بالصورة التي تخول زيادة درجة إشباع تلك الحاجات عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة حسب توزيع عائد ذلك الاستغلال.
وقد تطور مفهوم ومجال التنمية كثيرا خلال العقود الأخيرة وهكذا ظهرت إلى جانب مصطلح التنمية الاقتصادية عدة أسماء كالتنمية الاجتماعية والتنمية البشرية المستديمة والتنمية الترابية كما عرف الخطاب التنموي بروز عدة مفاهيم تعنى بتحديد نطاق التنمية من قبيل؛ التنمية الوطنية والتنمية الجهوية والتنمية المحلية التي هي محور موضوعنا وهي كما نلاحظ ما فتئت تسعى إلى حصر مجال التنمية أو نطاقها في حدود ومجالات ترابية أصغر[13] إن التنمية هي المحصلة النهائية وهي غاية كل الغايات تختلف من حيث المضمون عن النمو الاقتصادي ولقد تمت في البداية مساواة التنمية الاقتصادية بالنمو الاقتصادية الذي هو الإنتاج العام لأي بلد من السلع والخدمات خلال سنة معينة ولكي يتحقق النمو الاقتصادي لابد من توافر ثلاثة مكونات أساسية وهي:
- تراكم رأس المال ويشمل هذا العنصر على الاستثمارات الجديدة في الارض والمعدات المادية والموارد البشرية ويعتبر الادخار السبيل الأمثل لتوفير رؤوس الأموال الممولة لمختلف أنواع الاستثمارات.
- النمو السكاني (العمل) ويرتبط الأثر الإيجابي للنمو السكاني بالنمو الاقتصادي من خلال زيادة قوة العمل التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج وهذا من جهة وإلى زيادة حجم الأسواق وسهولة تحفيز الطلب الاستهلاكي من جهة أخرى.
- التقدم التكنولوجي ويعرف على أنه السرعة في تطوير وتطبيق المعرفة الفنية من أجل زيادة مستوى المعيشة للسكان.
هذه المعادلة البسيطة (التنمية الاقتصادية =النمور الاقتصادي) تتجاهل قضية توزيع الدخل القومي أو الناتج الوطني بين المواطنين فالزيادة في متوسط نصيب الفرد من الناتج ليست بالضرورة هي التحسين الفعلي في معيشته وتلبية مختلف حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية؛ فالتنمية الاقتصادية تتمثل في تحقيق زيادة مستمرة في الدخل الوطني الحقيقي وزيادة نصيب الفرد منه هذا فضلا عن إجراء العديد من التغييرات في كل من بنية الإنتاج ونوعية السلع والخدمات المنتجة إضافة إلى تحقيق عدالة أكبر في توزيع الدخل الوطني أي تغيير في بنية توزيع الدخل الوطني لصالح الفقراء من جهة والمؤدي إلى تحفيز طلب الاستثمار من جهة أخرى غير أن لهذا العامل أثر سلبي على النمو الاقتصادي في حالة وجود فائض في عرض العمل ومن خلال محدودية الدخل[14].
إن التنمية ظاهرة مركبة تتضمن النمو الاقتصادي كعنصر هام وأساسي مقرونا بحدوث تغير عميق في البنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع وفي العلاقات التي تربطه بالنظام الاقتصادي والسياسي العالمي وينتج عن ذلك توليد زيادة تراكمية في مستوى دخل الفرد الحقيقي على أن تكون قابلة للاستمرار واقتران ذلك بآثار إيجابية إنها عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحققه رفاه الإنسان وكرامته وهي بناء للإنسان وتحرير له وتطوير لكفاءاته واطلاق لقدراته للعمل البناء كذلك هي اكتشاف لموارد المجتمع وتنميتها والاستخدام الأمثل لها من أجل بناء الطاقة الإنتاجية القادرة على العطاء المستمر[15].
التنمية تعني عملية تحول من حالة إلى حالة أفضل منها وأيضا تعني الفعل التطويري بأشكاله المختلفة الذي يؤدي إلى رفع مستوى المجتمع من مستوى أدنى نسبيا إلى أعلى نسبيا إذن التنمية عملية متعددة الأبعاد تتضمن إجراء تغييرات عملية جذرية شاملة متكاملة تشمل كل جوانب الحياة في المجتمع وفي الدولة والهياكل؛ (الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسلوكية والنظم السياسية والنظم الإدارية والمؤسسات الحكومية خاصة والأهلية)[16].
ثالثا : مفهوم التراب
أ- في اللغة
[تراب مفرد] ج أتربة مصدر (ت.ر.ب) يرفع التراب بمكنسته؛ غبار الأرض أي ما نعم من أديمها واراه التراب؛ أي دفنه بالأرض والتراب حسب معجم الرائد يعني ما نعم من سطح الارض وما لان من سطح الارض وفي معجم الوسيط يعني التراب ما نعم من أديم الأرض[17] والترباء: الارض، ونقول ترب: كثر ترابه وصار في يده التراب وخسر ونقول تربت يداه لا أصاب خيرا وأترب أي قل ماله والتراب هو ما نعم من أديم الأرض والتراب هو عنصر من عناصر الارض مصنوع من جزيئات صلبة قادمة من عناصر مختلفة تنتقل جراء عوامل الجو وتستقر على الأرض لتشكل مع مرور السنين طبقة هشة تحتوي على عناصر تختلف باختلاف نوع التربة[18].
ب- في الاصطلاح
التراب مصطلح له دلالة جيوسياسية تعني مساحة أرضية تابعة لدولة أو مدينة أو لسلطة قضائية أو غيرها، أي مجال تابع لسيادة[19]، فالتراب هو مكون من مكونات الدولة، كما يعني مجال معين من مجالات الدولة يعرف تواجد السكان وأنشطة ذات أبعاد متعددة (اقتصادية، أمنية، ترفيهية، رياضية، عمرانية...) التراب إطار جغرافي للعيش تتقاسم فيه الساكنة وحدة الانتماء العرقي والتاريخي ونوع الأنشطة التي يزاولونها، وفق المؤهلات والإمكانيات المتاحة، لتوفير حاجياتهم الذاتية والقدر المنشود من الرفاه الاقتصادي لأسرهم والأجيال القادمة[20].
إن التراب هو إطار جيو بوليتيكي وجيو استراتيجي، تحدد فيه أهم الاستراتيجيات التي تبرز علاقات القوة والصراع من أجل إنتاج التاريخ، التراب هو النمط العام الكائن مجاليا والمنتج جدليا وبنيويا كما أن التراب هو نمط من أنماط الصراع السياسي وتضارب المصالح اجتماعيا واقتصاديا وهو نمط من الإنتاج مما يؤدي في النهاية إلى القول بأن التراب هو منتوج اجتماعي وليس هناك من تراب خارج الفعل والإنتاج الاجتماعي فالتراب هو سمة العلاقات المجالية، أي الإنتاج العام للفاعل الترابي الذي هو الإنسان[21].
إن التراب هو مرآة تعكس مدى تقدم الدولة من عدمه على مستوى الاقتصاد والإدارة والعمران... [22]، كما يطلق لفظ تراب على التقسيمات الإدارية التي تعرفها الدولة كالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات فكلها وحدات إدارية لا مركزية ذات بعد ترابي، تسير وتدبر أمور ساكنة كل وحدة على حدة وتعمل على إشباع حاجياتهم الضرورية من نظافة وصحة وتعليم وأمن...
مما سبق يمكن تعريف التنمية الترابية بأنها عبارة عن ثورة فكرية يتم من خلالها إشراك العناصر الاجتماعية والسياسية في التحليل الاقتصادي وهي تنمية تفرض قطيعة مع المنطق الوظيفي لتنظيم الحياة الاقتصادية وتقترح العودة إلى رؤية ترابية وتعرف أيضا بأنها سيرورة لتعبئة الفاعلين تمكن من بلورة استراتيجيات تتكيف مع الإكراهات الخارجية على أساس التحديد المشترك للثقافة والتراب. وهي كذلك سيرورة ذات أبعاد اقتصادية وسوسيو ثقافية وسياسية وذات منحى عمودي بين قطاعي يتم من خلالها تعبئة الفاعلين وتثمين الموارد الظاهرة والخفية، وتتمحور حول تراب معين ونابعة من دينامية داخلية لمواجهة الإكراهات الخارجية وقضايا البيئة وتعرف التنمية الترابية إضافة إلى ذلك بأنها نظرة تترجم إدماجا للمجالات والفاعلين الاجتماعيين وسياسات التدخل العمومية حيث يكون الهدف الرئيسي لهؤلاء هو الالتحام الاجتماعي والترابي من خلال سيرورات التخطيط والتهيئة والتنمية من الأعلى ومن الأسفل وهي كذلك الأسلوب الذي يسمح للفاعلين بتثمين قدراتهم للسيطرة على التطورات التي تهم التراب[23].
للرياضة دور مهم في تنمية المجتمعات والرقي بها على مختلف الأصعدة والميادين سواء منها الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية ومن هذا المنطلق يحتل موضوع الرياضة والتنمية الترابية أهمية بالغة لكونه يبرز وظيفة من الوظائف الاستراتيجية التي تضطلع بها الرياضة على المستويين المحلي (الجماعة أو الجهة) والوطني (تراب المملكة ككل) كما أن أهمية الدراسة تبرز كذلك في كون الموضوع من مواضيع الساعة التي لم تنل حقها أكاديميا كما يلزم، كما أن ضمان تحقيق تنمية ترابية حقيقية يمر عبر تنمية الجهات والرقي بمواردها المالية وذلك من خلال تنويع مصادر تمويل ميزانيتها ولن يتحقق هذا الشرط من دون الانفتاح على ميادين جديدة أو ابتداع مشاريع حيوية تستجيب لفئات عريضة من شرائح المجتمع، وعلى هذا الأساس يعد قطاع الرياضة عامة من الدعامات التي يمكن توظيفها في سبيل الوصول إلى التنمية الترابية والجهوية وذلك من خلال إحداث مشاريع رياضية مبتكرة تسهم في الرفع من مداخيل الجهة وتقلص من هامش الفوارق المجالية بين الجهات وتعطي بعدا تسويقيا للجهة، يمكن أن يساعد على انعاش الدورة الاقتصادية وينشط الرواج التجاري بها ولعل من أبرز هذه المشاريع إحداث المدن الرياضية والرفع من عدد المنتزهات الرياضية والجعل من المركبات الرياضية مصدرا لخلق الثروة.
ومن خلال مقاربة هذا الموضوع سنحاول الإجابة على الإشكالية التالية: إلى أي حد يمكن للرياضة أن تساهم في تحقيق التنمية الترابية؟
تتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة التالية:
· من هم المتدخلون في الحقل الرياضي بالمغرب؟
· وما هي درجة حضور الرياضة في المخططات التنموية بالمغرب؟
· ما هي أهم الاختلالات التي تحول دون أن يكون للرياضة دور فعال في تحقيق التنمية الترابية؟
· وما هي حدود تدخل الجماعات الترابية في الحقل الرياضي بالمغرب؟
· وما هي أشكال وصور إسهام الرياضة في مسار التنمية الترابية؟
ومن باب التفاعل الأولي مع الموضوع نسوق مجموعة من الفرضيات والتي سنهتدي بها في معالجة موضوعنا كأفكار أولية قابلة للتصويب والتخطئة ولعل من أبرزها نذكر:
1- للرياضة دور محوري في التنمية الترابية.
2- حضور الرياضة في المخططات التنموية كان متفاوتا.
3- تعاني الرياضة من اختلالات عدة تحد من فعاليتها في مجال التنمية الترابية.
4- يعرف القطاع الرياضي بالمغرب متدخلين كثر ولكل متدخل وظيفة عليه القيام بها بتفاني.
5- الرياضة آلية لخلق الثروة.
ولمعالجة الموضوع تم توظيف المنهج البنيوي-الوظيفي على اعتبار استعراض البحث للأجهزة الفاعلة في القطاع الرياضي بالمغرب وإبراز وظيفة كل جهاز من هذه الأجهزة كما أنه في شقه الثاني يبرز الوظيفة التي تقوم بها الرياضة على المستوى الترابي وهي المساهمة في التنمية الترابية، كما أنني أريد النظر للظاهرة من الزاوية الخارجية والداخلية.
كما تمت الاستعانة بمجموعة من الأدوات البحثية المساعدة من قبيل تقنية تحليل المضمون والمقابلات[24] عن بعد أو الشخصية والزيارات الميدانية وتقنية الملاحظة، وفي محاولة للإجابة عن الإشكالية المطروحة جرى اتباع التصميم الآتي: