حكامة التنظيم الهيكلي والقضائي لقضاء التنفيذ في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23

مقال بعنوان: حكامة التنظيم الهيكلي والقضائي لقضاء التنفيذ في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23

مقال بعنوان: حكامة التنظيم الهيكلي والقضائي لقضاء التنفيذ في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23 PDF

-الدكتور عبد السلام قايقاي-
باحث في الشأن القانوني والقضائي
تقديم:

يقصد بقانون المسطرة المدنية Le droit de Procédure civile، والمعروف في الفقه باسم قانون المرافعات المدنية أو أصول المحاكمات المدنية؛ مجموعة القواعد التي تنظم إجراءات الدعوى من حيث رفعها وكيفية نظرها، والحكم فيها، وبيان طرق الطعن التي يمكن أن توجه ضد الأحكام، كما تتضمن أيضا قواعد التنفيذ الجبري للأحكام القضائية.

ويلاحظ أن مصطلح المسطرة المدنية Procédure civile، إذا ما فسر تفسيرا حرفيا سيكون قاصرا عن أن يشمل كل القواعد التي تدخل في مضمون المسطرة المدنية، لأنه لا يعني إلا القواعد التي تتناول تنظيم إجراءات رفع الدعوى ونظرها والحكم فيها، ولا يتضمن قواعد التنظيم القضائي بالاختصاص أو قواعد تنفيذ الأحكام، لذلك كان حريا بالمشرع أن يقوم بالنظر في إمكانية تعديل اسم هذا القانون، من قانون المسطرة المدنية إلى اسم قانون الإجراءات المدنية مثلا أو قانون إجراءات الدعاوى المدنية أو قانون القضاء المدني.

يعود أول قانون للمسطرة المدنية بالمغرب إلى سنة 12 غشت 1913 ضمن الإصلاح القضائي الذي عرفه المغرب بمناسبة توقيع اتفاقية الحماية بين المغرب وفرنسا، والتي نصت على أن البلدين عازمان على إحداث تنظيم جديد في بعض الميادين الحيوية كالميدان الإداري والقضائي والتعليمي والاقتصادي والمالي.

حيث صدرت تسعة ظهائر من بينها قانون المسطرة المدنية والتي حلت محل المساطر التي كانت تطبق أمام القضاء القنصلي. وقد اشتغل على صياغة هذا القانون [1]كل من: Grunebaum-Ballin رئيس مجلس ولاية لاسين Président du conseil de préfecture de la seine، باعتباره ذا خبرة جيدة في المسطرة الإدارية وأحد القانونيين اللامعين بمحكمة الاستئناف بباريس. والمستشار BERGE الواضع الرئيسي لقانون المسطرة المدنية لدى المحاكم الأهلية في تونس ورئيسا سابقا للمحكمة المختلطة التونسية.

وقد تميز هذا القانون بالمرونة وقلة الشكليات إضافة إلى اعتماد المسطرة الكتابية، ماعدا ما تعلق بالدعاوى المقامة أمام محاكم الصلح. وبقي هذا القانون صامدا رغم التعديلات المدخلة عليه بين الفينة الأخرى والتي استغرقت ستين سنة، إلى حدود صدور ظهير 28 شتنبر 1974 والذي بدأ العمل به في فاتح أكتوبر ملغيا الظهير السابق.

ونحن اليوم نعيش مرحلة جديدة في حياة هذا القانون المسطري، حيث أنه بعد خمسين سنة من التطبيق يتم عرض مشروع جديد لقانون المسطرة المدنية 02.23 على المسطرة التشريعية بالبرلمان.

ومساهمة في النقاش العمومي الذي يعرفه مشروع هذا القانون، وذلك في علاقته مع قانون التنظيم القضائي 38.15 الصادر حديثا، والذي جاء بمقتضيات جديدة تهيكل التنظيم القضائي للمملكة بمجموعة من المؤسسات الجديدة؛ يمكن أن نتساءل عن مدى ملائمة مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23، مع قانون التنظيم القضائي 38.15، بشكل عام، وبشكل خاص نتساءل عن مكانة كتابة الضبط في هذا المشروع فيما يتعلق بتأليف واختصاصات قاضي التنفيذ، كنموذج على وجود ارتباك تشريعي يعرفه هذا المشروع.

أولا- من حيث التأليف:

تنص المادة 42 من قانون التنظيم القضائي على أن المحكمة الابتدائية تتألف من:

رئيس- وكيل الملك- نائب أو أكثر للرئيس وقضاة- نائب أول أو أكثر لوكيل الملك وباقي نوابه- رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة ورؤساء مصالح وموظفي كتابة الضبط وموظفي كتابة النيابة العامة.

وتشمل المحاكم الابتدائية حسب المادة 43 من قانون التنظيم القضائي على:

-المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة؛
-المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة المشتملة على أقسام متخصصة في القضاء التجاري وأقسام متخصصة في القضاء الإداري؛
المحاكم الابتدائية المصنفة التي يمكن إحداثها طبقا لمقتضيات المادة 48 من هذا القانون.

وأكدت المادة 46 من نفس القانون على أن جميع الأقسام والغرف تعمل تحت إشراف رئيس المحكمة ووكيل الملك، كل في مجال اختصاصه، باستثناء القسم المتخصص في القضاء الإداري الذي يخضع لإشراف رئيس المحكمة لوحده.

وبالنسبة لوضعية قاضي التنفيذ ضمن هذه الهيكلة، فقد أكدت عليها المادة 47 من قانون التنظيم القضائي حيث "يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية، طبقا للكيفيات المنصوص عليها في الفرع الأول من الفصل الثاني من الباب الثاني من القسم الأول من هذا القانون، رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات ونوابهم، وقضاة التنفيذ...إلخ".

ومعلوم أن المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية تتوفر بدورها على قضاة للتنفيذ، حيث جاء في المادة 59 من قانون التنظيم القضائي: "... يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية التجارية قاض أو أكثر للتنفيذ وقاض للسجل التجاري وقاض منتدب أو أكثر في قضايا معالجة صعوبات المقاولة وأي قاض ينتدب لمهمة أخرى بالمحكمة، طبقا للكيفيات المنصوص عليها في الفرع الأول من الفصل الثاني من الباب الثاني من القسم الأول من هذا القانون.

تعمل جميع غرف المحكمة الابتدائية التجارية تحت إشراف رئيس المحكمة".

وجاء في المادة 63 منه أيضا:"... يعين من بين المحكمة الابتدائية الإدارية قاض أو أكثر للقيام بمهام قاضي التنفيذ ...إلخ."

إلا أنه عند التطرق لقاضي التنفيذ في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23، لم يتم التفصيل في عمل هذه المؤسسة كما هو وارد في قانون التنظيم القضائي، مما يفتح باب النقاش والتأويل حول كيفية هيكلة قضاء التنفيذ بالمحاكم ذات الولاية العامة المتضمنة للأقسام المتخصصة، حيث نصت المادة 447 من المشروع: "يعين قاضي التنفيذ من بين قضاة محكمة الدرجة الأولى وفق مقتضيات قانون التنظيم القضائي. ينوب عن قاضي التنفيذ في مهامه عند الاقتضاء قاض أو أكثر". دون تحديد من سيكون على مستوى الأقسام المتخصصة التي ستحدث بالمحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة، هل سيكون قاضي تنفيذ واحد ينعقد له الاختصاص في مراقبة والاشراف على التنفيذ بالمحكمة بما فيها القضايا التجارية والإدارية والأسرية، أم أنه سيكون هناك أربعة قضاة للتنفيذ: قاضي تنفيذ في القضايا المدنية العادية- قاضي تنفيذ بالقسم المتخصص للأسرة- قاضي تنفيذ بالقسم المتخصص في القضاء التجاري- قاضي تنفيذ بالقسم المتخصص بالقضاء الإداري؟

ثانيا- من حيث الاختصاص:

جاءت مقتضيات المادة 481 من مشروع القانون التي تنص على أنه: " يقدم طلب التنفيذ[2] إلى قاضي التنفيذ...إلخ"، بخلاف ما هو منصوص عليه في الفصل 429 من قانون المسطرة المدنية الساري المفعول، على أن التنفيذ يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم طبقا لمقتضيات الفصل 439؛ باعتبارها السلطة العامة التي خول لها القانون حق القيام بإجراءات تنفيذ الأحكام أو القرارات أو السندات، بحكم القواعد الأساسية في تنظيم المجتمع، والتي توجب على كل دائن أن لا يقتضي حقه من مدينه بنفسه محافظة على الأمن والنظام، وعلى شعور المدين أو المحجوز عليه من إهانة الدائن له [3] .

بحيث أصبح قاضي التنفيذ بمقتضى هذا التعديل، يجمع ما بين اختصاصين مختلفين:

-اختصاص قضائي هو بيد رئيس المحكمة باعتباره قاضيا للتنفيذ، والذي يكون له حق البت في صعوبات التنفيذ، ومنح الآجال الاسترحامية... إلخ؛

-واختصاص إداري هو بيد رئيس كتابة الضبط باعتباره الجهة التي يقدم لها طلب التنفيذ والجهة المكلفة بالتنفيذ كسلطة عامة، وجهة للاختصاص كمدعى عليها عند الطعن بالبطلان في محاضر التنفيذ المنجزة من طرفها، أمام قضاء الموضوع.

فإذا كان من المنطقي بالنسبة للاختصاص الأول المرتبط بمنح قاضي التنفيذ في المشروع، اختصاصات تعود لرئيس المحكمة التي كانت له في النزاعات الناشئة عن التنفيذ، تخفيفا عنه من الأعباء المترتبة عن ذلك، حتى يضطلع بمهامه كرئيس للمحكمة، وكذلك لتبعيتهما لنفس السلطة وهي السلطة القضائية، وبالتالي فالمسألة لا تخرج عن كونها إعادة لتوزيع في الأدوار والمهام القضائية بين نفس المكونات؛

فإن الأمر مختلف فيما يخص الاختصاص الثاني، وذلك جراء تفويت جزء من اختصاصات رئيس كتابة الضبط لقاضي التنفيذ، لاختلافهما من حيث الاختصاص، بجعل طلب التنفيذ يوجه لقاضي التنفيذ عوض رئيس كتابة الضبط، ولاختلاف السلط التي ينتميان إليها، وهي السلطة القضائية بالنسبة لقاضي التنفيذ والسلطة التنفيذية بالنسبة لرئيس كتابة الضبط.

كما أن المتمعن في مقتضيات المادة 476 من المشروع:" يختص قاضي التنفيذ بإصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ، ويتولى الإشراف عليه ومراقبة سير إجراءاته...إلخ". ومقتضيات المادة 478: "يختص بالبت في صعوبات التنفيذ الوقتية المثارة بشأن التنفيذ التي تم القيام بها، قاضي التنفيذ بالمحكمة المصدرة للحكم حيث يجري التنفيذ، أو قاضي التنفيذ بالمحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها المنفذ ضده، أو قاضي التنفيذ بالمحكمة التي توجد بدائرة نفوذها أموال المنفذ ضده، حسب الحالة".

يستنتج عدم الوضوح والارتباك في صياغة المادتين في علاقتهما بالمادة التي تسبقهما[4]، بشكل يختلط فيه الاختصاص القضائي لقاضي التنفيذ مع مهام المكلفين بالتنفيذ، إلى درجة يمكن معه أن نتساءل ما إذا أصبح قاضي التنفيذ مكلفا بالتنفيذ في هذا المشروع؟؟ خاصة أنه يختص لوحده حسب المادة 485 من مشروع قانون المسطرة المدنية ب: "...التأكد من ... قابلية[5] السند للتنفيذ[6]...إلخ.".

هذا التأكد الذي سيضطره حتما إما؛

-إلى إصدار أمر/حكم قضائي-من دون أن يوجه له طلب مكتوب[7] - في حالة ما إذا ما تبين له أن السند التنفيذي غير قابل للتنفيذ، يقضي بعدم قابلية السند للتنفيذ؟ وهي الوضعية التي ستحتم توفير الضمانات الأساسية للمتضرر من هذا القرار للطعن فيه أو التظلم، فما هي وسيلة وطريقة هذا الطعن أو التظلم؟ وماهي جهة الاختصاص للبت في ذلك؟ كذلك سيطرح تساؤل عن مدى مسؤولية الجهة التي سلمت طالب التنفيذ سندا تنفيذيا غير قابل للتنفيذ؟

-وإما أنه سيأمر المكلف بالتنفيذ بإنجاز محضر أخباري بتعذر التنفيذ لعدم قابلية السند للتنفيذ؟ وهنا لن نكون أمام جهة مكلفة بالتنفيذ كسلطة عامة بمعنى الكلمة، وإنما إلى جهة تنفذ تعليمات قاضي التنفيذ.

وفي حالة فحص قاضي التنفيذ لصحة السند للتنفيذ، وتبين له بأنه سليم، وأمر بمتابعة إجراءات التنفيذ، وتم الطعن بالبطلان في محضر التنفيذ أمام قضاء الموضوع، وكان مثلا بيعا قضائيا نتج عنه إنجاز محضر رسو بيع بالمزاد العلني، طبقا لمقتضيات المادة 569 من المشروع التي تنص على أنه:" يمكن للمنفذ عليه الطعن بالبطلان في محضر رسو المزاد خلال عشرة أيام من تاريخ رسو المزاد استناد إلى سبب خطير مبني على أساس صحيح أو بوجود عيب في إجراءات البيع يوم المزاد: يمكن مساءلة المكلف بالتنفيذ الذي ثبتت مسؤوليته دون الاخلال بالمتابعات الزجرية في الموضوع...إلخ".

فمن هو المكلف بالتنفيذ الذي يجب أن يتحمل المسؤولية في هذه الحالة؛ قاضي التنفيذ الذي تأكد وفحص قابلية السند للتنفيذ، وأصدر بالتالي أمرا قضائيا بالتنفيذ؟ أم المكلف بالتنفيذ الذي امتثل لأوامر/تعليمات قاضي التنفيذ باعتباره سلطة الإشراف والمراقبة على أعمال التنفيذ؟

وما مدى تطابق هذا الفحص الذي سيجريه قاضي التنفيذ لقابلية السند للتنفيذ بشكل قبلي ودون أن يكون بناء على طلب أحد من أطراف التنفيذ، مع مبدأ حياد القاضي في المنازعات المدنية الذي يمنعه من أن يقضي بعلمه الشخصي، وعلى هذا الأساس قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها بأن: “المبدأ الأساس الذي يحكم النظرية العامة في الإثبات هو مبدأ حياد القاضي، فلا يجوز له أن يقضي بعلمه الشخصي عن وقائع الدعوى دون أن يكون من قبيل ذلك ما يحصله استقاءً من خبرته بالشؤون العامة المفروض إلمام الكافة بها”، كما أن” مبدأ منع القاضي من الحكم بعلمه الشخصي لا يتأتى من مبدأ حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى، وإنما يتأتى من أن ما شاهده القاضي أو ما سمعه مما يتصل بوقائع القضية، سوف يؤثر حتماً في تقديره، بل قد يشل هذا التقدير، وهو عندئذ يصلح أن يكون شاهداً في القضية ليقدر شاهد آخر شهادته، وإنما لا يصلح أن يكون قاضياً، وإلا عد قاضيا وشاهدا في نفس الوقت”.

فمبدأ حياد القاضي إذن هو المبدأ الذي يزن به القاضي المصالح القانونية للخصوم بالعدل وأن يقف موقفا من الخصومة يجعله بعيدا عن مظنة الميل لأحد الأطراف، الأمر الذي يجعله من أبرز الضمانات للخصوم ودعامة أساسية لمنح الحقيقة للحكم.

وينطلق مبدأ حياد القاضي- الذي يختلف عن مبدأ استقلالية السلطة القضائية- من اعتبار الخصومة كمنازعة خاصة بين الأطراف، وبالتالي لا يحق للقاضي أن يتدخل فيها إلا بالقدر اللازم لتنظيمها، كما أن مبدأ شرعية الإثبات، وثيق الصلة بهذه النزعة، وأبرز مظاهر هذا الحياد في الإثبات المدني تظهر في دور القاضي فيما يتعلق بأدلة الخصوم أو إتمامها أو إحضارها، فيترك ذلك كله للأطراف، كما يترك لهم تحديد محل النزاع، وهو ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها، حيث جاء فيه:” ليس للقاضي المدني-في إطار الحياد- أن يستند إلى دليل يتحراه بنفسه بعيدا عن الخصوم، ولم يعرض عليه وفقا للإجراءات التي يقررها القانون".

أيضا هناك إشكال على مستوى مقومات التأسيس لعملية التنفيذ الجبري في المشروع من الناحية التصورية، وذلك من خلال: -المادة 485 والتي جاء فيها: "يأمر قاضي التنفيذ، فورا... بتبليغ نسخة من السند مع إعذار المنفذ عليه بتنفيذ ما يقضي به اختياريا...إلخ"؛ -والمادة 486 التي جاء فيها:" يبلغ المكلف بالتنفيذ داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب، نسخة من طلب التنفيذ ونسخة من السند المراد تنفيذه إلى المنفذ عليه شخصيا...إلخ".

فالمادة 458 تؤكد على أن من يتخذ قرار البدء في عملية التنفيذ هو قاضي التنفيذ وذلك بواسطة إصدار أمر، وليس القوة التنفيذية للسند التنفيذي المنصوص عليها في المادة 457 من المشروع، التي تؤكد على أنه" لا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون، إلا بموجب نسخة تحمل صيغة التنفيذ التالية: "وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع المكلفين بالتنفيذ أن ينفذوا هذا السند...."". حيث أن من مستلزمات السند التنفيذي أن تجتمع فيه قوة الإلزام والقوة التنفيذية التي يكتسبها من نسخة تحمل صيغة التنفيذ المذكورة آنفا والتي يترتب عليها:

- نشأة حق التنفيذ الجبري؛
- ونشأة واجب الجهة التي يناط بها التنفيذ الجبري، وذلك من خلال المبادرة اليه متى طلبه منها من له حق التنفيذ الحبري بموجب حصوله على النسخة التنفيذية.

فهل المشرع المغربي استعاض عن القوة التنفيذية التي يمتلكها السند التنفيذي واستبدلها بضرورة صدور من قاضي التنفيذ حتى تبادر الجهة المكلفة بالتنفيذ إلى التنفيذ الجبري؟ ثم ما مدى جدية الفورية المنصوص عليها في هذه المادة، في علاقتها بالمادة 486، مادام أن المكلف بالتنفيذ يمكنه أن يقوم بتبليغ السند التنفيذي داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب، وليس فورا؟؟

من بين الإشكالات أيضا ما تنص عليه المادة 55 من قانون التنظيم القضائي على أنه: "يختص القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة الابتدائية، دون غيره، بالبت في القضايا التجارية المسندة للمحاكم الابتدائية التجارية بمقتضى القانون. تطبق أمام القسم المتخصص في القضاء التجاري نفس المسطرة المطبقة أمام المحاكم الابتدائية التجارية".

وتنص المادة 56 من نفس القانون على أنه " يختص القسم المتخصص في القضاء الإداري بالمحكمة الابتدائية، دون غيره، بالبت في القضايا الإدارية المسندة للمحاكم الابتدائية الإدارية بمقتضى القانون، وفي القضايا الإدارية الأخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية. تطبق أمام القسم المتخصص في القضاء الإداري نفس المسطرة المطبقة أمام المحاكم الابتدائية الإدارية".

وجاء في المادة 57 كذلك على أنه" يمارس رئيس قسم قضاء الأسرة أو من ينوب عنه الاختصاصات المخولة قانونا لرئيس المحكمة الابتدائية، فيما له صلة باختصاصات هذا القسم".

مما يطرح التساؤل حول كيفية ملائمة هذه المقتضيات مع المادة 475 من مشروع قانون المسطرة المدنية التي جاء فيها: " ينعقد الاختصاص لقاضي التنفيذ بالمحكمة المصدرة للحكم، أو بالمحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها المنفذ ضده أو بالمحكمة التي توجد بها أمواله، حسب الحالة".

والمادة 476 التي جاء فيها: "يختص قاضي التنفيذ بإصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ، ويتولى الاشراف عليه ومراقبة سير إجراءاته...إلخ".

حيث يلاحظ عدم تحديد وضعية قاضي التنفيذ بالمحاكم ذات الولاية العامة التي تتواجد بها الأقسام المتخصصة: أسرة، تجارية وإدارية، هل سيكون بها قاضي للتنفيذ واحد يتولى الإشراف ومراقبة سير إجراءاته سواء كانت قضايا مدنية أو أسرية أو تجارية أو إدارية؟ أم أنه لكل قسم متخصص سيكون له قاضي تنفيذ خاص به يتولى الإشراف عليه ومراقبة سيره؟ وفي هذه الحالة كيف سيتم تنظيم العمل بخصوص كتابة الضبط، هل سيكون مكتب للتنفيذ واحد يضم جميع الملفات والإجراءات لجميع القضايا سواء كانت مدنية عادية أو أسرية أو تجارية أو إدارية، أم سيكون لكل قضاء متخصص مكتب للتنفيذ خاص به يضم كتابة للضبط توجد تحت إشراف ومراقبة قاضي التنفيذ متخصص؟ وكيف سيتم تنظيم كل ذلك في العلاقة مع رئيس كتابة الضبط، حيث يمكن للموظف الواحد من كتابة الضبط أن يجد نفسه تحت إشراف ومراقبة عدة جهات: رئيس كتابة الضبط باعتباره المسؤول المباشر، رئيس المحكمة ذات الولاية العامة، رؤساء الأقسام المتخصصة الذين سيكونون بمثابة رؤساء محاكم في قضائهم المتخصص، قضاة التنفيذ حسب كل قسم متخصص.

 ثالثا- من حيث جهة الاختصاص على مستوى الاستئناف:

جاء في المادة 74 من قانون التنظيم القضائي: "يختص القسم المتخصص في القضاء التجاري بمحكمة الاستئناف، دون غيره، بالبت في استئناف أحكام الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري بالمحاكم الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف، وكذا الأحكام الصادرة في القضايا التجارية الأخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية المذكورة.

مع مراعاة الاختصاصات المخولة للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 73 أعلاه، يمارس رئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري أو من ينوب عنه الاختصاصات المخولة قانونا للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية، فيما له صلة باختصاصات هذا القسم".

وكذلك في المادة 75 من نفس القانون: "يختص القسم المتخصص في القضاء الاداري بمحكمة الاستئناف، دون غيره، بالبت في استئناف أحكام الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري بالمحاكم الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف، وكذا الأحكام الصادرة في القضايا الإدارية الأخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية المذكورة.

مع مراعاة الاختصاصات المخولة للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 73 أعلاه، يمارس رئيس القسم المتخصص في القضاء الإداري أو من ينوب عنه الاختصاصات المخولة قانونا للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية، فيما له صلة باختصاصات هذا القسم."

مما يطرح معه التساؤل حول كيفية ملائمة هذه المقتضيات مع المادة 495: "تستأنف أوامر قاضي التنفيذ الصادرة في صعوبات التنفيذ الوقتية، أمام الرئيس الأول لمحكمة الدرجة الثانية داحل أجل عشرة أيام من تاريخ صدورها إذا كانت حضورية أو من تاريخ تبليغها إذا كانت غيابية.

يبت الرئيس الأول أو من ينوب عنه في الاستئناف على وجه السرعة بعد استدعاء الأطراف المعنية، ما لم تكن هناك ضرورة قصوى تستوجب البت في غيبتهم.

لا يطعن في القرارات الصادرة عن الرئيس الأول إلا بالنقض وفق الإجراءات العادية".

حيث جاءت صياغة جهة الاختصاص في المشروع بصيغة: "الرئيس الأول لمحكمة الدرجة الثانية"؛ فهل جميع أوامر قاضي التنفيذ ستستأنف لدى الرئيس الأول لمحكمة الدرجة الثانية بما فيها تلك التي تدخل ضمن الاختصاص القضائي التجاري والإداري؟ أم فقط القضايا المدنية العادية؟ على أن يتولى رؤساء الاقسام المتخصصة المحدثة بمحاكمة الدرجة الثانية البت في أوامر قاضي/قضاة التنفيذ كل في حدود اختصاصه؟

خاتمة:

إن تناول مسألة الارتباك التشريعي بالبحث وتحديد مواطنه في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23، متعددة ومتشعبة، وذلك في علاقته بقانون التنظيم القضائي 38.15، ولعل تطرقنا لكيفية تأليف وتحديد اختصاصات قاضي التنفيذ في المشروع، هي جزئية بسيطة، تعطينا صورة مبسطة حول عدم امتلاك المشرع لتصور شامل حول التنفيذ الجبري في هذا المشروع، واضح المعالم يحدد الاختصاصات ويرتب عليها المسؤوليات، حيث لا اختصاص بدون مسؤولية كما يقال، وينسجم مع المقتضيات الدستورية الواردة في الفصل الأول من الدستور: "...يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة...إلخ".

إن صناعة القرار التشريعي بقدر ما هو عمل مدروس كما يقول ب.لوفين[8] P.H Levin، وحتى يكون عقلانيا لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار المحيط الذي يوجد فيه، ليس فقط في عملية تنفيذه وإنما في فترة إعداده، لأن هناك علاقة متبادلة بين القرار والمحيط، فمثلا لو فرض أن اتخذت سلطة سياسية قرار انشاء طريق سيار، وكان الهدف من وراء هذا القرار تسهيل عملية المواصلات بين مدينتين، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن هذه الخطوة تعتبر تطورية إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الآثار السلبية التي سيخلفها إنشاء هذا الطريق على المحيط.

---------------------------------------------
هوامش:
[1] -يمكن الرجوع يشكل مفصل إلى ظروف وتفاصيل هذا الإصلاح القضائي والتشريعي إلى كتابات الدكتور محمد شيلح خاصة مقاله المتميز حول: أصول قانون الالتزامات والعقود المغربي من زاوية واضعه وموضوعه، محاولة قراءة في ق ل ع م من خلال سيرته.
[2] - معلوم أن الطلبات المقدمة إلى القضاء تكون بمثابة دعوى قضائية، فما طبيعة هذا الطلب، هل هو دعوى قضائية تستلزم تقديم صحيفة دعوى وتسجل في سجل الدعواى القضائية، أم سيسجل في سجل خاص بطلبات التنفيذ، التي تكون موجهة أصلا لكتابة الضبط على غرار طلبات تبليغ الأحكام، وطلبات سحب النسخ التنفيذية...إلخ.
[3] - الطيب برادة، التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، 1988، المعهد الوطني للدراسات القضائية، ص: 59.
[4] - المادة 481 من مشروع القانون: " يقدم طلب التنفيذ إلى قاضي التنفيذ...إلخ.
[5] -هناك فرق بين مقدمات التنفيذ والتنفيذ الحبري والمنازعة في إجراءات التنفيذ، والتأكد من قابلية السند للتنفيذ تدخل ضمن مقدمات التنفيذ وليس ضمن التنفيذ الجبري، وهذا التأكد يمكن أن يكون موضوع دعوى قضائية للمنازعة في التنفيذ، بحيث أن رفع هذه الدعوى لا يتوقف على وجود هذا التنفيذ، وبالتالي يجوز رفعها قبل بدء التنفيذ أو قبل اتخاذ مقدمات التنفيذ.
[6] -تستند فكرة السند التنفيذي على اجتماع قوة الإلزام Force Obligatoire وقوة التنفيذForce Executoire .
[7] - المادة 13 من مشروع قانون المسطرة المدنية:" تبت المحكمة في حدود طلبات الأطراف...إلخ". والمادة 76:"تقدم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، مالم ينص القانون خلاف ذلك، بمقال مكتوب....".
[8] -PH Levin; « On Decisions and decision Making », p :27.

تعليقات